التقدم الواضح وسيطرة عصابات داعش على مدينة الموصل فتح آفاق التساؤل ، وأثار الكثير من علامات الاستفهام عن كيفية دخول هذه العصابات أمام كل هذه القدرات العسكرية من حيث العدة والعدد والتسليخ بمختلف أنواعه . ولا نريد الدخول كثيراً في عوامل تراجع أداء الجيش العراقي ، إلا أني سأركز في قضية مهمة وهي قضية الإعلام وكيف نصنفه كمساند قوي في المعركة سواء للحق أو الباطل .
لقد تأقلم الإرهابيون بمهارة على حروب عصر الإعلام اليوم، لكن الدول الغربية وحكومات الدول العربية والإسلامية بصورة عامة لم تتأقلم. ولك أن تتخيل أن المتطرفين، الذين لا يتورعون عن ارتكاب أعمال عنف، لديهم”لجان علاقات إعلامية” تهدف إلى التلاعب بآراء الناس. فهم يخططون ويصممون لهجمات تحتل العناوين الرئيسة في أجهزة الإعلام المختلفة، وترويج لأخبار ربما تكون وهمية ولكنها قد تحقق لهم تقدم وهمي على الأرض، مستعينين في ذلك بكل وسائل الاتصال المتاحة بهدف ترويع الشعوب الحرة، وكسر إرادتهم الجماعية.
مع إدراكهم أن وسائل الاتصال الحديثة سريعة التحرك وعلى مختلف الاتجاهات ، وأن اصطناع قصة أو خبر إذا ما أعد ببراعة، قد يلحق الضرر بمعنويات الجيش العراقي أمام هذه القدرات البسيطة للإرهاب بقدر. وهم قادرون على التحرك بسرعة وبأعداد قليلة نسبية من الأفراد، وبالاستعانة بموارد متواضعة مقارنة بالأجهزة الحديثة التي يملكها الجيش الحكومي المنظم والقدرات الضخمة المكلفة التي تستعين بها الحكومات الديمقراطية.
ما حدث في الموصل هو فعلاً مخطط سياسي يسانده المخطط الإعلامي في بث روح التفرقة والفشل بين أبناء القوات المسلحة من الجيش والشرطة ، وبث الهزيمة ورؤية القادة الذين كانوا من المفترض الموت او النصر في المعركة الغير متكافئة اصلاً فيما بين عصابات جريمة وقطاع طرق وبقايا البث الفاشي ، والمرتزقة من الشيشان وأفغانستان وباكستان وسوريا والسعودية وقطر وتركيا ومن سار على خطهم ، وبين جيشاً نظامياً يملك العقيدة “مفترضة” ويملك المبادئ وحب الوطن والولاء له .
ولكن مما يدعو للأسف أن العديد من القنوات الإخبارية والمواقع الإخبارية التي تشاهد عبر هذه وسائل الاتصال المخالفة هي معادية للعراق والعملية السياسية برمتها ، كما أن المنافذ الإعلامية في العديد من مناطق العالم لا تخدم إلا كوسيلة للإثارة والتحريف بدلاً من شرح الأمور وإطلاع الناس على الحقائق. وبينما نجح تنظيم القاعدة والحركات الإرهابية الأخرى في استغلال هذا المنبر لعدة سنوات، في تسميم الرأي العام الإسلامي ، ومحاولة بث الخوف والرعب من هذه التنظيمات التي تسعى من السيطرة على اكبر بقعة من الأرض العربية والإسلامية وفق مخطط مدروس ومعد له سلفاً ، وإعادة الحكم الخليفي ، وسيادة مبدأ الترهيب والخوف والرعب للشعوب المستضعفة .
اليوم قنوات الفتنة بدأت تعمل عمل القاعدة وهذه التنظيمات ، من أجل بث التفرقة وإثارة الفتنة الطائفية لغايات وأهداف البعض منها معلن والآخر غير معلن ، وإدخال العراق وشعبه في آتون حرباً أهلية تأتي بالأخضر واليابس على حد سواء .
الأكاذيب التي تبثها بعض القنوات المريضة كـ العربية والعربية “الحدث ” والجزيرة والتغيير ، وغيرها من القنوات المأجورة التي بالتأكيد يجب أن تصنف إنها مع الإرهاب ، ويجب أن تأخذ بحقها الإجراءات القانونية نفسها المتخذة مع الإرهابيين والقتلة ، لأنها تساهم في قتل الشعب العراقي بلا هوادة ، أو ضمير أو رقيب إعلامي ، أو احترام لهذه المهنة الشريفة .
فبدل بث الحقائق بمهنية وحرفية عالية ، واحترام للمهنة ، تعمل هذه القنوات على أثارة الشارع العراقي ، ودعم الإرهاب في العراق ، وبث الأكاذيب الباطلة التي لا تمت بصلة إلى الواقع ، وبث الأكاذيب في سيطرة الإرهابيين على المناطق تلو المناطق ، وإنهم باتوا قريبين من بغداد ، وسيطروا على مصطفى بيجي ، وغيرها من أكاذيب تحاول تحريف الواقع ، وبث الأكاذيب من أجل تهبيط المعنويات لدى جيشنا البطل ، وهو يتقدم بخطوات وصبر ثابت إلى المناطق كافة من اجل طرد هذه الحنازير التي باتت تلوث جونا وبرنا وأنهارنا الطاهرة .
لهذا على الوسائل الإعلامية الوطنية والمهنية مهمة وتكليف في أظهار حقيقة هذه الوسائل الكاذبة من جانب ، وفضح نواياهم الخبيثة ، وكشف وتوضع الواقع على الأرض في المعركة مع الإرهاب سواء في للموصل أو صلاح الدين أو ديالى ، وعلى جميع وسائلنا الإعلامية السعي من اجل بث روح الأخوة بين مكونات الشعب كافة ، وكشف الألاعيب المنافقين والخونة ، والذين يريدون الشر ببلدنا العزيز .
اليوم نحن نخوض حرباً شرسة أمام قوى الظلام حيث أصبح بقاء أسلوب حياتنا ووطننا على المحك. كما أن مركز ذلك الصراع لن يكون ساحة المعركة فحسب، والأمر برمته يعد اختباراً للإرادة العسكرية ، وسوف يكون اجتيازنا لهذا الاختبار أو فشلنا في اجتيازه متوقفاً على القدرة على الوقوف ومواجهة هذا العدوان الشرس بأسلحته العسكرية والإعلامية . وعلى الرغم من براعة العدو في استغلال وسائل الإعلام، واستخدام أدوات الاتصال لمصلحته، إلا أننا نتفوق عليه بميزة واحدة ألا وهي أن الحقيقة في جانبنا، وأن الحقيقة تنتصر في النهاية.