خلود المبادئ لا خلود الأجساد

خلود المبادئ لا خلود الأجساد

في ذكرى الأربعينية المباركة، تتجدد معاني استشهاد الإمام الحسين عليه السلام كصرخة مدوية في وجه الظلم والفساد، وكمنارة هداية لكل من يسعى لإقامة العدل وصون كرامة الإنسان. لقد خرج الإمام الحسين لا طلباً لسلطة ولا رغبة في جاه، بل قالها بوضوح: “ما خرجت أشِراً ولا بطِراً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي”. هذه الكلمة ليست شعاراً تاريخياً، بل مشروع حياة يلزم كل فرد ومجتمع أن يقف بوجه الانحراف، وألا يهادن الظالمين والفاسدين، مهما كانت مواقعهم أو نفوذهم.

إن مسيرة الملايين نحو كربلاء، من الشيوخ والنساء وحتى الأطفال، ليست مجرد شعيرة دينية أو ذكرى عابرة، بل هي إعلان جماهيري عن التمسك بالقيم التي استشهد الحسين من أجلها: مقاومة الظلم، نصرة المظلوم، رفض الاستبداد، ومحاربة الفساد من جذوره. لكن هذه القيم لا تكتمل إلا إذا بدأنا بإصلاح الذات أولاً، لأن المجتمع الفاسد لا يمكن أن يُصلح الدولة، بينما المجتمع الصالح القوي بالوعي والنظام قادر على محاسبة الحاكم وتصحيح المسار.

أن أساس بناء المجتمع الناجح هو النظام واحترام الوقت، فالأمم التي تتقن تنظيم شؤونها، وتلتزم بالمواعيد، وتعمل بروح الفريق، تستطيع أن تحقق نهضتها وتواجه التحديات. كما أن محاربة الفساد ليست مهمة الدولة وحدها، بل مسؤولية جماعية تبدأ من المواطن البسيط الذي يرفض الرشوة ويتقن عمله، إلى المسؤول الذي يضع مصلحة الناس فوق مصالحه الخاصة.

لذلك فإن في إحياء الأربعين فرصة لنستلهم من الحسين إرادة التغيير، ونحول هذه المسيرة المليونية إلى طاقة إصلاح حقيقية، تقيم العدل، وتحقق الكرامة، وتبني مجتمعاً يسوده الوعي، النظام، واحترام القيم، حتى نكون بحق أوفياء لرسالة كربلاء ولدماء الشهداء.

أحدث المقالات

أحدث المقالات