في ظل ازدحام الأفكار، تغدو عملية تجميعها وتركيزها مهمة ضرورية ومراعية لطبيعة المرحلة التي نعيش فيها، إذ يتفلت الزمن من بين أيدينا ويزداد سيولة لا يسيطر عليها، وبالتالي هي بمثابة البذور التي ننثرها كل حين، لعل هنا من يمنحها الماء والهواء اللازم لتنمو، وتكون حصناً آمنا، ومن ذلك:
أولاً: حذار من (التأزيم) والنية (حل الازمة)، وهي عبارة بديعة قرأتها يوماً لأستاذنا العلامة د. طه جابر العلواني رحمه الله، وما زلت اجد أننا نمارسها دون وعي بخطورتها، فالأزمة والمشكلة قد تدفع لليأس حيناً، وللمفاضلة بين السيء والأسوأ حيناً آخر، لكن الأخطر انها قد تدفع المرء دون شعور للتعلق بالخرقة البالية وجعلها شراعاً لمركبنا، وكل ذلك لن يغني عن الغرق مهما كان يؤخره!
ثانياً: البعض لا يرى او لعله لا يقبل أن يرى لحظة الأفول المؤكدة لأنه اعتاد ربط نفسه بغيره ولم يمنحها لحظة النضوج والاعتماد على الذات، وصحيح أن التفكير الاستراتيجي لا يهتم كثيراً لليوميات، ولكن التراكم يزيد ثقلها، والتتابع يجعلها رأس جبل جليد لا يمكن إغفاله.
ثالثاً: العجز عن توليد البديل مشكلة، وعدم القدرة على الخروج من الخيمة البالية التي تستظل بها مرض مزمن، واحراق نفسك لأجل غيرك اقتياد طوعي للانهيار تحت عنوان الانقاذ الخادع، فبادر للتخلص من هذا المنقذ الوهم قبل فوات الأوان.
رابعاً: مهما كان الاحتياج، لا تقترب اكثر من اللازم إلى النار، فكل خطوة إلى الأمام حينها تعني المزيد من التآكل وقضم النفس، ومحظوظ ان نالك فقط شررها ولم تجعلك تدافع احتراقك المتنوع الأشكال ليل نهار!
خامساً: العلم لوحده لا يكفي دون العمل بمقتضاه، فكيف ان كان بعقل فردي مجرد وقلب قاسٍ جحود؟ وتعاقب الأحداث يدلنا على إن تشابك خيوط الأزمات بهذه الشدّة المعقدة المستعصية لا تكفي عشر اصابع لوحدها لفكها وحلها، مثلما ان تراكم السخام بات يستدعي منّا الحاجة إلى المجاذيب الحكماء!!