يقول صاحبنا الثمانيني ان هناك صورة وفكرة راقت له في افتتاح قصة ( رسائل القمر ) من المجموعة القصصية الجديدة ( مجنون بغداد ) للكاتبة السورية نجاح ابراهيم حيث تقول : (( حتى وان تناءت اجسادنا ستبقى نافذة بقلبي , اطل عليك منها , امطرك بالرسائل الصامتة تماما كما يفعل القمر )) , ويبدو ان سليلة قبيلة كلب الشامية قد عنت له بعد ان جرى ماجرى على قومها , والتباعد الذي أدى لأنقطاع الطريق بيننا وبينهم , لكن مما يسهل ألأمر على نوافذ القلوب أنه في ظل العولمة , بات من السهل أن تتأثر الثقافات المحلية بالأنماط العالمية , وما أحلى تطبيقات الواتس أب , وما دامت الحياة تتقدم للأمام , والوقت ثمين فلا يضيّع صاحبنا فرصة ان يدعو لصباح أديبته الشامية بأطباق البيلسان .
مادامت الأرواح حين تحب لا تملك حق الإختيار , فأن عبارتها المختارة تكاد أن تكون أكثر من كافية لصاحبنا , فهو يعرف ان أدب هذه الأيام لن يحتمل الإسهاب , وقارئ اليوم والغد يكاد تكفيه اللمحة الخاطفة لإدراك الصورة الكاملة , وتكاد تغنيه الإشارة عن الإطناب في العبارة , وبلاغة الإيجاز يفرضها على العالم اليوم عصر السرعة , كما فرضها قديماً عند العرب الرحل سرعة تنقلهم بين واحات الصحراء , واَلْكَلِمَاتُ مَادَّةٌ لَيِّنَةٌ فِي يَدِ أديبتنا لتعيدُ تَشْكِيلَهَا حَتَّى تَنْبِضَ بِالْحَيَاة , وكَمَا يَعْكِسُ الْمَاءُ وَجْهَها تَعْكِسُ الْقَصِيدَةُ رُوحَها , ولاشك ان صاحبنا يشعر ان حُروفها سنابلُ , يعجنها بماءِ الدَّهشةِ , فيصنعُ منها قصائدَ قصائدَ , تُشْبعُ الجياعَ إلى الكلمةِ العذبة.
حين تومض الكاتبة لصاحبنا , يتمنى أن يكون عصفورًا , لا لكي يطير , بل لكي يعودَ إلى عشّه , اه ياشجرة تبكي لوزا وسكر , بعد غروب العمر الجميل , وتلك المناديلُ ليست لنا , والوردٌ يُضَلّل , بعيدٌ أنا عن بعيديَ , فما أبعد الحبّ , وهم دون أن يتركوا شيئًا يُذكر , وألأحباب يمرّون في حياتنا للحظات , لكن أثرهم يبقى كالشمس التي تُدفئ الأرواح حتى بعد غيابها , وكما يقول شمس الدين التبريزي : ((عندما تزهر الروح لا يهمها تعاقب الفصول , أزهر من جديد أثبت لهم أن الذبول خرافة )) .
ألقلب أكثر اعضاء الانسان تمرداً وتقلّب , فوضعه الله في قفص , تقول له من نافذة القلب كما كتبت فوز حمزة : (( كالقمر أول المساء , يتدلى النور منه , سقط طيفك على أطراف ردائي )) , يتأثر عمق صاحبنا بعبق رفيف القلب ليجيبها بكلام نشرته كاتبة اسمها شمس الشموس : (( تمر بنا الحياة ولا نفيق , إلا عندما نجد قطار العمر قد مر بنا…هناك مقولة رافقتنا تقول , أن الغد أجمل , حتى كبرنا واكتشفنا أن الجمال الحقيقي , كان بالأمس وليس فى الغد )).
اللغةُ مرآةُ الضمير, والشمسُ لا تخطئ طريقَها , ورائعة هي الروح التي تعانق روحك وتطمئنها بأنها توأمها , ونادرة هي النفس التي تنشر في حياتك عطر الامان والاهتمام دون أن تطالبك بثمن العطر , سلاما لمن يملكون وجه صبوح وابتسامة صافية تبهج القلب وتسر العين وتنعش الروح , سلاما على من يملكون صدق المشاعر في زمن عزت فيه المشاعر الصادقة , سلاما للقلوب الطيبة النقية التي تثمر حبا وتعطينا الأمل في الحياة لمن يملكون جمال الروح وصفاء النية ولا تعرف قلوبهم سوى الحب والاخلاص والوفاء.