كلما تردني أخبار متلاحقة عن نشاطات الأشخاص في وسائل التواصل , أشعر بأنهم يعلنون قرب أجلهم , وقد تكررت الظاهرة مع عدد ليس بالقليل منهم , حتى صرت أنتظر خبر نعي الذين ينفجرون بنشاطاتهم على شاشات ومواقع التواصل المعاصرة وخصوصا الفيس بوك.
الدكتور عين إنطلق في محاضرات تكاد تكون يومية في حقل إختصاصه وبعد أيام إنتشر خبر وفاته , والدكتور ميم راح ينشر صورا عما يقوم به وإذا به يموت بعد فترة قصيرة , والدكتور مم أخذت أقرأ أخباره بغتة وتفاعلاته الإجتماعية وإذا بالموت بغيبه بعد أسابيع , والأستاذ كاف أبدى إهتماما مكثفا بنشر كتبه وطبع ما عنده منها , ليعلن عن رحيله وما أتم مشروعه.
والكثيرون يحضرون وينطلقون في صب قدراتهم على صفحات التواصل , وكأنها صرخات وداع , ومحاولات للتجذر في الحياة , وكل من عليها فان , ونهر الوجود الجاري عارم التيار.
داهمني صديقي برسائل متلاحقة , أكثر من واحدة في اليوم , ليأتيني خبر وفاته فجأة , وصديق آخر راح يتواصل معي هاتفيا بلا إنقطاع وما حسبت إنه يخطو نحو الوداع الأخير.
هذه سلوكيات جديدة أملتها وفرة وسائل التواصل بين الناس , وجعلت نداءات التشبث بالحياة تتعالى وتتكرر على الصفحات , فكم من الذين على شفا حفرة الموت , يتشبثون بقشة البوح على صفحاتهم التواصلية.
كان الموت عندما يصيب شخصا في مدينتنا حدث جلل ومصيبة تشترك بعزائها معظم العوائل , أما حاليا , فأنه أمر عادي ومتكرر ولا يثير الحزن والمواساة.
وبفضل وسائل التواصل صارت الكلمات المكتوب بإختصار تغني عن كل فعل آخر جدير بالإعتبار.
برايا من تعاستها تموتُ
وبعضٌ من مزابلها يقوتُ
شعوبُ الأرض أثراها نعيمٌ
وأخرى في مجاعتها تبيتُ
طفولتنا وعزتنا تلاشتْ
إباداتٌ يغلفها السكوتُ
فمتْ حيا ولا تسعى لخيرٍ
فإن الخير في زمنٍ مَقيتُ