العراقيون المغتربون يرتبطون بالوطن بعلاقات متينة مصحبوبة بمشاعر الحنين واللهفة والشوق له والى الأهل والأحبة وأيضا للأصدقاء والجيران ، فيما نجد المغترب يكون دائما في دوامة وفي صراع مرير مع نفسه ومع ذاته ، ما بين الرغبة في البقاء في وطنه ، أوالتحمل لكل ما يحدث له بسبب المواقف الصعبة التي دفعته الى هذه الغربة المميتة والقاتلة ، وقد يواجه المغترب تحديات جديدة لا بد من أجتيازها والتغلب عليها ومنها ( الأندماج ) مع المجتمع الجديد والثقافة واللغة الجديدة والأستقرار والتعايش الأيجابي نوعا ما في هذا البلد ، وبين الشعور بالغربة التي هي ليست مجرد الأنتقال من مكان الى أخر ، بل هي رحلة شاقة في أغوار النفس البشرية ، تعيش تفاصيلها في كل يوم وفي كل لحظة ، وحينما تبتعد عن الوطن كأنك ( أقتعلت ) تماما من جذورك وأصلك وناسك ، فالغربة عن الوطن هي تجربة جديدة وشديدة التعقيد وهي قضية مليئة بالتناقضات والمشاعر المتضاربة التي تجمع الألم والحزن الممزوج بالحنين والشوق واللهفة لبلدك ، وأحيانا تكون أختبارا للنفس على مدى تحمل الأنسان للصبر في الأبتعاد والتهجير، ويكون أختبارا حقيقيا لقوة الأنسان وتحمله لهذه المأسي والآهات والأوجاع المتكررة يوميا .
قد لا تسعفني الذاكرة في أختيار الكلمات المناسبة التي أضعها أمام كلمة ( الوطن ) … فهوالأنتماء الروحي والوجداني ، كما هو القلب النابض ، والحضن الدافىء الذي يجمع كل أبنائه الخيرين ، أنه هويتنا التي نفتخر ونعتز بها ، وأنه أملنا … وللوطن مكانة وعشق كبيرين في قلوبنا وضمائرنا ، وفي قلوب جميع العراقيين في الغربة ، وأن الذي لا يجرب الغربة فأنه لا يعرف معنى وقيمة وحجم الوطن ، رغم أن أجسادنا فقط هي التي غادرته ، ولكن قلوبنا وأرواحنا لا زالت عالقة وتنبض فيه كل يوم بل وفي كل ساعة .
من حقنا نحن العراقيين أن نتباهى بوطننا الغالي وبأنتمائنا الحقيقي له ، والمطلوب هنا ونحن في بلاد الغربة أن نضع العراق ومستقبل العراق في حدقات عيوننا وفي ضمائرنا ونجعله في مكانتة المرموقة من بين الدول المتقدمة والمزدهرة ، لأنه يستحق منا فعلا كل هذه المساعي والجهود المخلصة ، بل ويتطلب منا الأهتمام به والحفاظ عليه وعلى تأريخه وحضارته وهويته الجميلة ، ونعمل جاهدين على أن نجعل الوطن شعلة وهاجة وشجرة وارفة الظلال ونخلة باسقة نستمد قوتنا وعزيمتنا منه ، لأنه هو قوتنا وشموخنا وعزتنا وأملنا في الحياة ، وهو الملاذ الأمن الذي يلجأ اليه الأنسان عندالشدائد ، وأن ( الوطن ) هو الأم الحنون التي تحتضن أولادها وتمنحهم الشعور بالأمان والسكينة والطمأنينة ، فلا بد للمغترب أن يعود لوطنة مهما طال الزمن وأبتعدت المسافات ، فأنه شعور جميل وأنتماء حقيقي لوطنة ولمسقط رأسه ولجذوره ، والأشتياق الى ذلك المكان الذي يحمل ذكريات الطفولة والعلاقات الأنسانية التي تتجلى فيها لحظات التأمل والتعبير عن الروابط الأسرية التي تجمعك مع أبناء المنطقة والحارة والشارع والمحلة التي ترعرعت فيها في زمن البساطة والبراءة والطيبة والذكريات الجميلة التي نستعيد من خلالها هويتنا الأصيلة التي لا شيء يستطيع أن يعوضنا عنها ، لامدن ولا شوارع ولا المنتجعات السياحية المنتشرة في جميع بلدان العالم ، بل يكفيناشم الهواء العراقي الأصيل ونرتوي من ماء دجلة والفرات وأحتضان ريحة أهلنا المتمثلة بالكرم والطيبة العراقية المعروفة .