31 يوليو، 2025 11:22 م

قصة قصيرة زقاق السيد

قصة قصيرة زقاق السيد

كان الزقاق ضيقًا، ملتفًا كندبةٍ على وجه المدينة، يمتد كذاكرةٍ لا ترغب في النسيان. البيوت متقاربة، كأنها تتناجى في الليل، أو تتحسّس خوفها.

بيت البناء هو أولها، مصنوع من الطابوق. أحد أبنائه، صبيّ كثير الشجار، يصرخ في العابرين، ويرمي الحجارة على القطط، وكأنّ شيئًا غامضًا يأكله من الداخل.

إلى جانبه، بيت النجار. نافذته مغلقة دائمًا. يُقال إنه يصنع التوابيت ليلًا، ويُخفيها في سطح بيته. لكن لا أحد رأى خروج أي تابوت؛ مجرد إشاعة بلا تفسير.

هناك عن بعد قليلا بيت الكاتب، صاحبه شاحب وصامت، يدوّن في دفاتر قديمة قصصًا لا تنتهي. كل أبطالها يُقتلون في الزقاق، ويُدفنون داخل السطور. أوراقه متناثرة كأرواح تائهة، كأنّ أحداث الزقاق نفسه هي من تملي عليه ما يكتبه.

أما في نهاية الزقاق، فهناك بيت “السيد”، الذي لا يُرى كثيرًا، إلا عند حدوث مشاكل بين أطراف الزقاق، أو في مناسبات الخطوبة، والأعراس، ومجالس العزاء التي يُوكَل إليه الأمر فيها. نوافذه مسدلة، أبوابه لا تُفتح، لكن إن قال “لا”، سكت الجميع أو تراجعوا إلى الوراء. ربما لشخصيته، وأناقتِه، وحواراته الجاذبة، بالإضافة إلى كونه “سيدًا”.

كانت المفاجأة ذات فجرٍ شاحب… سُرق بيت السيد. لا قفل كُسر، ولا نافذة زُحزحت. خرج لأول مرة، وتفقّد الزقاق بعينين لا تشبهان أعين البشر. ومنذ تلك الليلة، اختفى ابن البناء.

لكن الضوء الوحيد، كان من قاعدة خشبية صغيرة في زاوية الزقاق… هناك، جلست أم ناصر، بائعة اللبلبي، امرأة ببشرة مطمئنة، وثياب تعبق بالبخار والحنان. كانت توزّع الحمص المسلوق كما توزّع السلام، تضحك للصغار، وتمنح الفقراء أكثر مما يطلبون. لا تحب المال، لكنها تحب العمل. تبدأ نهارها بالدعاء، وتنهيه بابتسامة.

قالوا إن السيد خرج إليها في ليلة السرقة، أخذ منها صحنًا صغيرًا، وهمس لها بشيء لم يسمعه أحد، ثم رجع. ومنذ ذلك الحين، عاد الزقاق إلى صمته. لكن شيئًا عميقًا قد تغيّر. الليل أصبح أبطأ، والبيوت تتهامس بحذر. وأم ناصر… ما زالت تبيع اللبلبي، هادئة، لكنّ ظلها… لم يُرَ مرة أخرى على الجدران.

جارٍ التحميل…
المميّزة بنجمة

أحدث المقالات

أحدث المقالات