وأنا أتصفح تاريخ مصر العظيمة بمجدها التاريخيّ وجدت لابد من ذكر ثورة الضباط الاحرار بمناسبتها التي حدثت في لحظة فارقة من تاريخ مصر تصاعد فيها الظلم وضاقت فيها السبل وعمّ الفساد والانحلال مفاصل الدولة تحت سلطة الملك فاروق بينما كانت خيرات الوطن تُنهب من قبل القوى الاستعمارية وفي مقدمتها قناة السويس التي كانت تمثل شريانًا اقتصاديًا محوريًا لم يستفد منه الشعب بل بقي رمزًا للهيمنة الأجنبية وبينما كان المواطن البسيط يرزح تحت الفقر والمرض والجهل أدركت مجموعة من الضباط الوطنيين أن السكوت خيانة وأن عليهم أن يتحملوا مسؤولياتهم التاريخية فأسسوا تنظيم الضباط الأحرار بقيادة جمال عبد الناصر ذلك الشاب الذي حمل في قلبه طموح الأمة وآلامها وانطلقت شرارة ثورة الثالث والعشرين من يوليو عام ألف وتسعمئة واثنين وخمسين لتعلن نهاية عهد الملكية وبداية مرحلة جديدة من السيادة الوطنية والعدالة الاجتماعية
لم تكن تلك الثورة انقلابًا محدود الأفق بل كانت فعلًا وطنيًا جامعًا التف حوله الشعب المصري بكل مكوناته وأطيافه لأنه لمس فيه الخلاص من عهد طال فيه الظلم وغابت فيه الكرامة وبدأت رحلة بناء مصر الحديثة بقيادة عبد الناصر الذي سعى منذ اللحظة الأولى إلى تحرير القرار الوطني واستعادة ثروات الشعب المصري فتوج ذلك بتأميم قناة السويس عام ألف وتسعمئة وستة وخمسين في خطوة جريئة ردت إلى الأمة اعتبارها وكانت بداية معركة الصمود ضد العدوان الثلاثي الذي واجهه المصريون ببطولة أسطورية أكدوا فيها للعالم أن زمن التبعية قد انتهى لم تتوقف الثورة عند استعادة الأرض والسيادة بل امتدت لتشمل إصلاحًا زراعيًا جذريًا حرر الفلاح من ظلم الإقطاعيين ووزع الأرض على مستحقيها وشهدت مصر لأول مرة خطوات حقيقية نحو العدالة الاجتماعية حيث أصبح التعليم مجانيًا والرعاية الصحية متاحة للجميع وتم تمكين أبناء الفقراء من الوصول إلى أعلى المراتب التعليمية والإدارية في الدولة أما على الصعيد الاقتصادي فقد دشّنت الدولة المصرية مرحلة صناعية واسعة النطاق عبر تأسيس مصانع كبرى ومشروعات عملاقة على رأسها السد العالي الذي أصبح رمزًا للنهضة الوطنية في السياسة الخارجية تبنت الثورة خط التحرر والدعم المطلق لحركات الاستقلال في العالم العربي وأفريقيا وآسيا وكان عبد الناصر حاضرًا في كل معركة تحرر من الجزائر إلى فلسطين ومن الكونغو إلى اليمن ليصبح رمزًا عالميًا للكفاح من أجل الحرية والاستقلال كما أسهمت مصر بدور فاعل في تأسيس حركة عدم الانحياز التي كانت بديلا للارتهان للمعسكرات الكبرى خلال الحرب الباردة ورغم النكسة في عام ألف وتسعمئة وسبعة وستين التي شكلت صدمة كبرى للشعب المصري إلا أن مكانة عبد الناصر لم تهتز في قلوب الجماهير لأنه لم يهرب من مسؤوليته ولم يبرر الهزيمة بل شرع فورًا في إعادة بناء الجيش وخاض معركة الاستنزاف التي كانت مقدمة لانتصار أكتوبر فيما بعد وكان رحيله في عام ألف وتسعمئة وسبعين لحظة حزن نادرة اتحد فيها العرب بالبكاء على رجل أحسوا أنه يمثل أحلامهم وكرامتهم لذلك بقي جمال عبد الناصر رمزًا خالدًا في الوجدان المصري لأنه لم يكن فقط رئيسًا بل كان مشروع أمة وضمير شعب وقائد ثورة لم تكن تسعى إلى السلطة بل إلى بناء وطن حر كريم تسوده العدالة ويحكمه أبناءه ولا يُدار من الخارج ولهذا حين وجد الجيش المصري أن الوطن في خطر وأن الشعب مسلوب الإرادة خرج لينقذ الدولة من الفساد وليعيد إليها صوتها الوطني مرة أخرى فكانت ثورة يوليو نقطة البداية ومسارًا ما زال حاضرًا في ضمير الأمة إلى اليوم تحية حب إجلال للجيش والشعب المصري الخالد موطن كل عربي وعنوان للفكر والثقافه
مصر العروبه تبقى محور العرب .
كتب ببغداد