إسطوانة الماضي مشروخة وتدور على مسامع الأجيال , ومفادها أن الذي مضى ما إنقضى ولن ينقضي , فهو وسيلتنا للنيل من الناس وحكمهم بالحديد والنار , وعاش أسيادنا الذين بمصالحهم ندين , وعلى أشلاء شعوبنا نسير.
لعبة الماضي تتكرر عبر الأنظمة الإنقلابية , فكل نظام حكم يأتي يلعن سابقه , ويبقى يلومه حتى نهايته ليأتي بعده مَن يكرر ذات الأسطوانة , ولا تزال ذات الأشطوانة تدور , كاخواتها إسطوانات التحرير والدعوات القومية والعقائدية المتنوعة , التي أفضت إلى تحقيق أهداف الطامعين بدول الأمة.
الماضي يحكمنا , يقيدنا , يكبل سيقاننا , ويمنعنا من الخطو إلى أمام , بل يؤهلنا للتقهقر والتدحرج المتسارع نحو الوراء , بتعجبل متزايد وطاقات متدفقة تضخها أنابيب المنابر ومضخات التنويم والتضليل.
الشعوب تحترم ماضيها وتتعلم منه دروسا لبناء الحاضر والمستقبل , ولا تعيش فيه أو تتدثر بأسماله , وتتوهم بأنه الأسمى والأنصع , وغير قادرة للوصول إلى مناقبه , بل أن تتغنى به وتتباكى عليه , وتوهم الأجيال بأنها أعجز من ماضيها وأضعف من قدرات حاضرها وتنزع منها إرادة المستقبل.
علة ما بعدها علة , ومعضلة هي أم المعضلات , فلماذا التأسن في الماضي , والإعتقاد بأن الأموات أحياء , والذي مضى مقدس ويستحق التعبد في ذكراه؟
ذلك الماضي البعيد الحاضرُ
لرؤانا إجتباه الغادرُ
ما عليهم مالهم بل أنهم
قادهم فيها عذولٌ ساجرُ
إنها الأجداث تسعى بيننا
سلعةً عشنا ففاز التاجرُ