الجيوش لا يمكنها أن تؤدي واجباتها المناطة بها من غير عقيدة عسكرية وطنية واضحة تؤمن بها وتقدسها وتقاتل من أجلها , وبدونها تعجز عن القيام بواجباتها الدفاعية أو الهجومية.
وهذا معروف منذ أولى الحضارات وحتى يومنا هذا , فالدول القوية التي تبسط نفوذها في الأرض لديها جيوش عقيدتها الوطن , الذي من واجبها الذود عن حياضه ومصالحه ومواطنيه , والحفاظ على أمنه وسلامة أبنائه.
والجميع يسمع مرار وتكرار عبارة المصالح الوطنية والأمن الوطني وسلامة المواطنين , من قادة الدول التي ترسل جيوشها للمهمات بأي مكان في الأرض.
نعم إنه الوطن والمصالح الوطنية , ولا شيئ يعلو عليهما في عرف الجيوش المهنية الوطنية , التي تصون سيادة الوطن وقيمة المواطن.
الدول بأسرها لكي تكون قوية لابد لها أن تبني جيشها على أسس ومعايير وقيم وأخلاق وثوابت وطنية , ولا توجد دولة ذات قوة وأمن وإستقرار وعزة وكرامة , وفيها جيش مبني على أسس طائفية ومذهبية وتحزبية وفئوية وتفريقية , لإن في ذلك تفريغ كامل لإرادة الصمود والتحدي , وتثبيط للعزيمة والقدرة على المجابهة والشعور بالإنتصار.
تأملوا الجيوش القوية من حولكم , في الدول التي تدّعي أنها دينية , ستجدون أن الجيش يتمتع بعقيدة وطنية عالية فوق الدين وكل شيئ آخر , كالمذهب والطائفة والعرق والفئة , وجيوشها تقاتل خارج بلادها دفاعا عن المصالح الوطنية بإبعاد الحرب عن أراضيها , ويتوهم الآخرون بأن جيوشها طائفية أو مذهبية وما إلى غير ذلك من الأوهام , وهي دول تعرف معنى القوة والسيادة الوطنية , وعندها عقيدة الوطن فوق جميع العقائد والأديان والأطياف والفئات والأحزاب والتعارضات.
فالمجتمعات الحية تعرف ذلك بالفطرة , ولهذا تجدها تتوحد أمام المخاطر , وتتنازل عما يفرقها وتتحول إلى عصبة واحدة ترفع رايات الوطن الموحد العزيز بتكاتف أبنائه , وجيوشها مهنية إحترافية ذات عقيدة وطنية لا تشوبها شائبة , وتنتمي للوطن وليس لشخص أو حزب أو فئة.
فلا يوجد جيش بعقيدة غير وطنية يستطيع أن يحقق إنجازا وطنيا وسياديا , لأنه جيش مهزوم في صميم ذاته وبلا معنويات.
والجيش الحقيقي إبن وطنه بالولادة , ولا يمكنه أن يرى غير ذلك ولا يستطيع أن يستوعب بأنه يقاتل إبن بلده , فالجيوش لم تولد لمقاتلة أبناء البلد الذي تنتمي إليه , وإنما للمحافظة على عزته وكرامته وسلامة جميع مواطنيه.
فهل وجدتم جيشا يقاتل أبناء بلده , إن الذي يقاتل أبناء وطنه ليس بجيش , وإنما عصابة ومليشيات بأدمغة محشوة بالسوء والبغضاء والكراهية , ومحقونة بأفكار سلبية لتحقيق مصالح الآخرين الطامعين بالبلاد وأهلها أجمعين , والقادرين على خداعهم وتضليلهم وإستخدام الدين للأخذ بهم إلى أتون الويلات.
فالجيش يُبنى بعقيدة وطنية مهنية لا تعرف التفريق والتمييز بين أبناء الوطن الواحد , الجيش دينه ومذهبه الوطن وعقيدته الوطن وحزبه الوطن ومرجعيته الوطن , فكيف تسمى القوات التي تدين بعقائد مذهبية وطائفية بالجيوش , ويُطلب منها أن تنتصر وتدافع عن الوطن , الذي تم إلغاءه من وعيها , وتحولت أشياء أخرى عجيبة غريبة إلى وطن لها , وكيف تلام على ما تفعله أمام التحديات المصيرية , وعقيدتها تعزز ذلك…؟!