الصحافة الشيوعية في العراق : أشجارها مثمرة بالمصابيح

الصحافة الشيوعية في العراق : أشجارها مثمرة بالمصابيح

مشاركتي بعيد صحافة حزبنا الشيوعي العراقي
(*)
الشيوعيون العراقيون، موانع صواعق وطنهم، يتوجهون نحو الضروري والنافع والجميل، يستهدفون الحيز فيستحيل بجهودهم فضاءً للحرية المشروطة بالوعي الخلاق. العلامة التي تستدل بها الشرطة على الشيوعيين هي: الجريدة التي تحتوي كتابا ً..
(*)
تقترن صحف الحزب الشيوعي العراق بنسق رباعي، عروتهُ الوثقى مفردة (الشعب).. أول جريدة شيوعية عراقية هي(كفاح الشعب) وقد صدر العدد الأول منها في تموز 1935 وتم توزيعها سريا وهي بثماني صفحات من نصف حجم الصحف العلنية. صدور جريدة (كفاح الشعب) قد أقلق الحكومة وأعوانها وأسعد الجماهير الفقيرة وبسبب حقد وغيرة الصحف الحكومية وشقيقاتها وبشهادة المناضل المخضرم زكي خيري كانت هذه الصحف (تعيرنا بسرية نشرنا، كلما استشاطت غضبا علينا) كان لصحيفة (كفاح الشعب) قراءً يترقبونها بلهفة، وكان يجرى توزيعها عبر تنظيمات الحزب. وصدر منها خمسة إعداد، وحين القي القبض على كادر الجريدة، صدر العدد السادس وهم في المعتقل!! ومن الصحافة الشيوعية تعلمت الاحزاب الوطنية دروسا شتى في هذا المجال
الصحيفة الثانية للحزب الشيوعي العراقي هي (اتحاد الشعب) في 1959 انتقل من السرية إلى العلنية وكان المناضل عبد القادر إسماعيل البستاني يشغل منصب رئيس التحرير، ومن الصحفيين المتألقين كان أبوسعيد من خلال عموده الصحفي الجريء. وكانت الجريدة يومية بلغ رصيد توزيعها ثلاثين ألف نسخة.. في 1961 ساندت الجريدة مطاليب عمال السكائر كما ساندت إضراب أصحاب سيارات الأجرة، زجت الشرطة المضربين بالسجون، وعطلت الحكومة جريدة (اتحاد الشعب) لكن الحزب كان لديه احتياط امتياز لإصدار جريدة (صوت الشعب) لصاحبها محمد حسين أبو العيس، فصدرت (صوت الشعب) بعد أن قرر المكتب السياسي إصدارها لمواصلة تأييد الإضراب وبعد أسبوع أغلقت الحكومة جريدة (صوت الشعب).. ولم يتوقف النشاط الصحفي، صار الحزب ينشر مقالاته في صحيفة (14 تموز) لصاحبتها نعيمة الوكيل.
(*)
منذ السبعينات ولهذه اللحظة لدينا( طريق الشعب) تنوعت مواضيعها وصار لها ملحقا ثقافيا في كل شهر.. لكن (طريق الشعب) مثل كل الصحف، ينافسها أخطبوط التقنية المتسارع في بث الخبر واستقطاب كل ما يجري في العالم. ثقافيا وسياسيا ومجتمعيا وعلميا..
(2-2)
1942 الجواهري يحتسي الشاي في الطابق الأول المخصص لعائلته، الطابق الثاني خصصه، لا دارة تحرير الجريدة، يتوجه أحد عمال المطبعة، فيعرف من العامل، بمقدم ضيفين، يرتقي سلّم الطابق الثاني يرى شخصين أحداهما من معارف الجواهري، أما الثاني فهو لأول مرة يراه الجواهري. يستل الرجل حزمة أوراق مخاطبا الجواهري(هذه مقالة، إن رضيت عنها فبوسعك نشرها.. ولك الفضل)) الجواهري ينادي عاملاً في الجريدة ويطلب منه أن تكون هذه المقالة افتتاحية لعدد الغد من الجريدة. يحدق الرجل كاتب المقال في وجه الجواهري بذهول وتعجب : ( يا أستاذ، ألا تريد أن تقرأ ما فيها أولا؟) بكل الحب، والفخر، يجيبه الجواهري الكبير : (لا، لن أقرأ ما تكتبه أنت).. في اليوم التالي المقالة افتتاحية الجريدة . المثقفون العراقيون أعلنوا بصوت واحد : أن هذه المقالة بقلم الرفيق فهد سكرتير الحزب الشيوعي العراقي، فهو ضليع بهذه المواضيع . كان المقال في صميم الاقتصاد العراقي، يومها كان العراق في ضائقة اقتصادية . أن هذا الوعي النضالي الجديد، وحدهُ من يعرف كيف يصوغ الفكر الاقتصادي صياغة صحفية يستوعبها القارئ العادي والقارئ المثقف. والصحف لها دويها آنذاك وقد استعمل الشيوعيون العراقيون الكتابة في الصحف، بطريقة علمية مبسّطة تصل إلى قلب القارئ وعقله في الوقت نفسه
(*)
لأن المثقف اليساري حسين الرحال دشن خطوة صحفية مغايرة للنسق السائد، لها أهدافها التنويرية صنعت يقظة ً ثرية ً للناس. في بدايات القرن العشرين، اغلب موضوعاتها حول الفكر السياسي الموائم لسمات العصر الاشتراكي، وكانت (الصحيفة) تندد بالخرافات والفكر الراكد رغم أن الحكومة العراقية في 27نيسان 1926 وبالاتفاق مع القاهرة، أعلنت مكافحة الشيوعية على الصعيد العربي.
(*)
في الشهور الأخيرة من 1953 اشتعلت بصرة المعتزلة اشتعالا مدويا جسدّه إضراب العمال في شركة نفط البصرة، يومها كان الرفيق سلام عادل قد تسلم قيادة تنظيم المنطقة الجنوبية، وبوعيه النضالي كان سلام عادل متواجدا يوميا ضمن لجنة الإضراب في الساحة، وقد بادر سلام عادل وتم تشكيل لجنة أخرى هي(لجنة المفاوضات) وكان سلام عادل يتواجد بصفته مراسلاً صحفيا لجريدة (اتحاد العمال ) وكانت الصحفية سرية التوزيع، وكان الرفيق سلام عادل يقوم بأجراء المقابلات مع مختلف القادة العماليين وبهذه الطريقة الميدانية يتعلم القائد منهم ويساعدهم على تعلم المبادئ النضالية الأساسية.
(*)
فهد وسلام عادل قائدان شيوعيان يتعلمان من الحراك النضالي، كيفيات تثوير الوعي الجمعي من خلال الفعل الصحفي اقتصاديا وسياسيا
(*)
في العراق وتحديدا ضمن الحقبة الملكية، الصحافة كانت من نوعين صحافة الحكومة وصحافة المعارضة اللينة، التي تحتاجها الحكومة لتؤكد على المناخ الديمقراطي. وعلى الجانب الآخر هناك الصحافة الثورية ذات التوجه اليساري. وكان حسين الرحال مشعل الفكر اليساري العراقي، واستطاع هذا الثوري الريادي، ان يستعمل الحيز الصحفي، وكان ينشر مقالاته اليسارية بأسماء مستعارة، حفاظاً على راتبه الذي يتقاضاه من الحكومة وتنوع نشاطه الصحفي في المجلات والصحف العراقية والأجنبية. وهنا لدينا نخبة يسارية تستعمل الصحف وسيلة لبث الفكر التقدمي: حسين الرحال/ الأديب محمود أحمد السيد/ محمد سليم فتاح/ أمينة ارحال: شقيقة حسين الرحال / عوني بكر صدقي/ مصطفى علي/ وكان للرحال وسليم مفتاح مقالات في الصحف الرسمية الفرنسية. ومن هذه الأسماء تشكلت أولى الحلقات الماركسية. التي استقبلت نشاطها بكل ترحاب الصحف الاجنبية والعراقية، منها صحيفة اليقين، وصحيفة الاستقلال البغدادية وصحيفة العالم العربي، واشترك حسين الرحال مع الصحفي العراقي(ميخائيل تيسي) في إصدار صحيفة(سينما الحياة) في 17 كانون الأول 1926 وكان مديرها المسؤول حسين الرحال. وكانت (سينما الحياة) صحيفة ذات توجهات ماركسية. ورغم نباح السلطة آنذاك على هذه الانشطة الصحفية الثورية، انبثقت أول صحيفة عمالية عراقية اسمها(الصنائع) 1930 ورفضت السلطات العراقية ان يكون عنوان الصحيفة (صوت العامل).. كل هذا الحراك الثقافي التقدمي قاد العراقيين إلى يقظة وطنية جديدة مظلتها الصحافة الشيوعية في العراق
(*)
الصحافة الشيوعية في العراق استقطبت المثقفين، واحتضنت الشعراء والأدباء والمسرحيين، وجعلت منهم كوادر صحفية في صفحات جريدة طريق الشعب، وصدر في سبعينات القرن الماضي (الملحق الشعري) شارك فيها مجموعة من الشعراء العراقيين: مهدي محمد علي. عبد الكريم كاصد. مصطفى عبدالله. هاشم شفيق. عبد الزهرة زكي. شاكر لعيبي.. وعذراً إذا نيست آخرين.. وكان الوسط الثقافي يترقب كل سبت (الفكر الجديد) التي كانت تصدر بالعربية والكردية
(*)
في منتصف سبعينات القرن الماضي كنتُ اعمل ضمن المكتب الصحفي لمحلية حزبنا الشيوعي في البصرة، كان مقر حزبنا في منطقة العباسية، ولنا مقر آخر في منطقة العزيزية، في الشارع الفرعي القريب من شط العرب، وكان المكتب الصحفي برئاسة الرفيق أكرم حسين(أبو سامر) وأعضاء المكتب: القاص جليل المياحي والشاعران عبد الكريم كاصد ومصطفى عبدالله وساهرة عبد الكريم زوجة الشاعر مصطفى عبدالله والرفيق حسن الملاك. وأصغرهم سناً مقداد مسعود، في ضحى الذكرى الأربعين لميلاد حزبنا، وصلتنا من بغداد (الموسوعة الصحفية) بغلافها الأحمر الأنيق وهي من تأليف الصحفي الكبير فائق بطي ثم سلمتني اللجنة المحلية ثلاثين نسخة وهي حصة تنظيم اتحاد الطلبة وبعد فترة طلبنا المزيد من النسخة ولكن لم نحصل عليها. كانت الموسوعة بسعر مناسب وكان الجميع يتلقفها بشغف معرفي لا مثيل له. وذات يوم أثناء العطلة الصيفية 1975 رشحتني اللجنة المحلية للحزب، لدورة صحفية في بغداد. وكان المحاضرون رفاقنا: زكي خيري. عبد الرزاق الصافي، كاظم حبيب. أبو كاطع. وقد وزعت علينا المحاضرات مطبوعةً. تعلمت ُ من هذه المحاضرات ما كنت احتاجه، خصوصا وأنا يومها وبالتحديد 1975 قد فزت بالجائزة النقدية الأولى ضمن المسابقة السنوية التي تقيمها مديرية تربية البصرة وكان عنوان مقالتي (الإشارات والرموز في (الجريمة) المجموعة القصصية للروائي نجيب محفوظ، وكنت مسؤولا في البصرة عن صفحة الطلبة والشباب في صحيفة (طريق الشعب) من خلال عملي ضمن المكتب الصحفي في اللجنة المحلية للحزب. بعد 2003 عملتُ مجدداً في (طريق الشعب) وتحديداً في الصفحة الثقافية، التي كان المشرّف عليها القاص والروائي الكبير حنون مجيد،
ساهمت ُ بنشر إبداعات الأدباء البصريين وإجراء حوارات معهم، كما كان لدي مساهماتي الخاصة في الصفحة، وحين أصبح المشرف على الصفحة الروائي الكبير عبد الكريم العبيدي، صار لي عمودا أسبوعيا (مسح ضوئي)
(*)
مع 1979 صار وضع حزبنا الشيوعي في خطر كبير، فالحزب الحاكم يطارد أعضاء الحزب، ويضيق الخناق علينا وكانت (طريق الشعب) تصل بصعوبة، وحين تصلنا في البصرة، كانت أمهاتنا يضعنا اعداد الجريدة في علاكة من خوص، وفوق أعداد الجريدة تكون أكياس الطماطة والباذنجان والخضراوات…
(*)
الأن تحديدا ً:ما هو مستقبل الصحف الورقية..؟ أمام أخطبوط التقنية..؟ وكم عدد القراء الأصلاء من خلال زجاج الحاسوب وزجاج الموبايل..؟
سؤالي ما قبل الأخير : كيف..؟ ولماذا..؟ أختفى الكاريكتير من الصفحة الأخيرة؟

أحدث المقالات

أحدث المقالات