الإنتقام من الظالمين بالظالمين

الإنتقام من الظالمين بالظالمين

الأصل ان الله سبحانه وتعالى هو المنتقم {إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ﴾ ،وهو الذي سيحشر الظالمين الى يوم معلوم وإن أمهلهم بحكمته ومشيئته حتى حين {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ} ، و قد امر الله تعالى قبل ذلك بالوقوف بوجه الظالمين وبجهاد المعتدين {وَقَٰتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ ٱلدِّينُ لِلَّهِ ۖ فَإِنِ ٱنتَهَوْاْ فَلَا عُدْوَٰنَ إِلَّا عَلَى ٱلظَّٰلِمِينَ} ، إلاّ انّ فئة مستضعفة قد لا تقوى على مقارعة الظلم إن كان طغيانا عاليا قد تسلّح بالقوة الغاشمة وتواطأ على مناصرته افواج من البشر المنافقين وتكاسل عن نصرتهم اسراب المخذّلين كما يحصل مع المظلومين من أهل غزة وفلسطين ،
لكنّ الله تعالى قد يسلّط على الظالمين امثالهم فيكون ضربا للظالمين بالظالمين وفي هذا دعاء مشهور او مأثور يقول فيه المستضعفون المغلوبون “اللهم اضرب الظالمين بالظالمين ،،، الى آخره” والحقيقة انه لم يرد في هذا النص حديث أو اثر منسوب ولكن قال بعض العلماء الأنجاب “إن الدعاء على الظلمة بهذا الدعاء لا حرج فيه ” وقد جاء في (فقه الأقليات) للشيخ القرضاوي رحمه الله قال : وكان من دعاء بعض السلف الصالح: “اللهم اشغل الظالمين بالظالمين وأخرجنا من بينهم سالمين”. ، وقد يستدل لهذا بما جاء في (كشف الخفاء للعجلوني) إن الله ينتقم من الظالم بالظالم ، قال النجم : “لا يعرف بهذا اللفظ لكن روى ابن أبي شيبة عن مالك بن دينار قال : قرأت في الزبور إني أنتقم بالمنافق من المنافق، ثم أنتقم من المنافقين جميعا” وقال رسول الله عليه الصلاة والسلام “إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ” وكذلك فإنه سبحانه يسلّط الظالم على الظالم ثم ينتقم من الجميع” و قرأ {وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا} . انتهى كلامه رحمه الله.
ونقل شُرّاح المختصر في باب قتال الفئة الباغية عند قوله “فللعدل قتالهم..” عن الإمام مالك قوله : “وأما غير العدل فدعه وما يراد منه، ينتقم الله من الظالم بظالم، ثم ينتقم من كليهما، وفي لفظ: “إن كان الإمام مثل عمر بن عبد العزيز وجب على الناس الذب عنه والقتال معه وأما غيره فلا ، دعه وما يراد منه ينتقم الله من الظالم بالظالم ثم ينتقم من كليهما.” انتهى كلامه رحمه الله . ولذلك فالدعاء على الظلمة بهذا الدعاء لا حرج فيه فالظالمون ليس لهم ولي الا ظالم مثلهم ولا نصير الا الشيطان وأقرانهم وقد قال جل وعلا: {وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} .
وفي قول مالك بن دينار السابق : “قرأت في الزبور : إني أنتقم من المنافقين ،،، الى آخره ” أضاف وذلك في كتاب الله قوله تعالى ، فقرأ الآية: {وَكَذَٰلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} ، وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في الآية “هم ظالمو الجن وظالمو الإنس وقرأ : {وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} قال : ونسلط ظلمة الجن على ظلمة الإنس .
وقد روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة عبد الباقي بن أحمد عن ابن مسعود مرفوعا : “من أعان ظالما سلّطه الله عليه ” ، ومعنى الآية الكريمة : كما ولّينا هؤلاء الخاسرين من الإنس تلك الطائفة التي أغوتهم من الجن كذلك نفعل بالظالمين ، نسلط بعضهم على بعض ونهلك بعضهم ببعض وننتقم من بعضهم ببعض ، جزاء على ظلمهم وبغيهم . انتهى
وقد تشمل الآية بطريق الإشارة كل ظالم فتدل على أن الله سلط على الظالم من يظلمه ، وقد تأوّلها على ذلك عبد الله بن الزبير أيام دعوته بمكة ، فإنه لما بلغه أن عبد الملك بن مروان قتل عمرو بن سعيد الأشدق بعد أن خرج عمرو عليه ، صعد المنبر فقال : ألا إن ابن الزرقاء – يعني عبد الملك بن مروان – قد قتل لطيم الشيطان وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون . انتهى قوله رضي الله عنه . وقال العلماء : اي جزاء على استمرار ظلمهم وشركهم .
ومن أجل ذلك قيل : إن لم يقلع الظالم عن ظلمه سلّط عليه ظالم آخر ، قال الفخر : إن أراد الرعية أن يتخلصوا من أمير ظالم فليتركوا الظلم ، وقد قيل في شعر الحكمة :
“وما مِن يدٍ إِلا يدُ اللهِ فوقها ،،، ولا ظالم إلا سيُبلى بأظَلمِ”
و بعد فإن المقصود الأخر من الآية هو الاعتبار والموعظة والتحذير من الاغترار بولاية الظالمين حتى وإن رأيتهم ينتصرون على غيرهم من المعتدين او ينتقمون من غيرهم من الظالمين فإن هذا هو تسليط الله تعالى و أمره ، فالظالمون -عند الله في الآخر- بعضهم أولياء بعض وإن كانوا يحتربون ، فتوخّي الأتباع فيه صلاح المتبوعين وبيان سنة الله في الأولين والآخرين والحمد لله رب العالمين .