عائلة الصدر… بيت ما زال العراقيون يرونه ملاذاً عند اشتداد العواصف، وأيقونة وطنية نقية في زمن امتلأ بالضباب

عائلة الصدر… بيت ما زال العراقيون يرونه ملاذاً عند اشتداد العواصف، وأيقونة وطنية نقية في زمن امتلأ بالضباب

اقترنت مسيرة هذه العائلة بتاريخ طويل من العلم والجهاد والدفاع عن قضايا الشعب. عرفت هذه العائلة بوقوفها الصلب في وجه الظلم وبمواقفها المبدئية التي لا تساوم على القيم. جذورهذه العائلة تمتد إلى العلامة محمد حسن الصدر الذي تولى رئاسة وزراء العراق عام 1948، وكان عضواً ورئيساً لمجلس الأعيان، في زمن كانت فيه السياسة لا تبتعد كثيراً عن الثقافة والهيبة الشخصية. رجل عرفه التاريخ كشخصية متزنة حملت مشروع دولة ولم تكن أسيرة لمصالح ضيقة.

أما الشهيد محمد محمد صادق الصدر، والد السيد مقتدى الصدر، فكان الصوت الجريء في زمن الصمت، وقف على منبر الكوفة متحدياً جبروت نظام صدام حسين، مدافعاً عن المظلومين، معلناً ولاءه للشعب لا للسلطة. لم تكن كلماته مجرد خطب، بل كانت شرارة وعي ألهبت القلوب، ولهذا لم يكن غريبا أن يدفع حياته ثمناً لصراحته وجرأته

من هذا الامتداد النبيل خرج السيد مقتدى الصدر، حاملاً راية الإرث، ومتلمسا طريق الإصلاح والعدالة. بين السياسة والدين، بين الشارع والحوزة، استطاع أن يبقى صدى لعائلته، وتعبيرا حيا عن شعب يفتش عن الكرامة

في مشهد سياسي معقد ومليء بالتجاذبات، يبرز اسم السيد مقتدى الصدر كواحد من أكثر الشخصيات تأثيرا وحضورا في الحياة العامة العراقية ليس فقط لما يمتلكه من قاعدة شعبية واسعة بل لما يعرف عنه من مواقف تعبر عن رؤية إصلاحية تسعى إلى تحقيق التوازن بين مطالب الشعب ومتطلبات الدولة

منذ سنوات، لم يتوان الصدرعن الدعوة إلى نبذ الفساد ومحاربته وقد كانت حركاته الشعبية ومواقفه السياسية دائما تميل نحو دعم التغيير السلمي والإصلاح التدريجي داخل النظام. لم يكن سعيه نحو الإصلاح انعزالياً أو راديكالياً، بل اتسم بمسؤولية وطنية تسعى إلى الموازنة بين الإرادة الشعبية واستقرار مؤسسات الدولة

أبرز ما يحسب له أنه تبنى خطابا يدعو إلى التهدئة في أحلك الظروف، وحرص في أكثر من مرة على إيقاف التصعيد حين شعر بأن الوطن قد يدفع ثمناً باهظاً لصراعات داخلية. لم يركن إلى طرف دون آخر بل كانت له مواقف حاولت أن تبني جسورا بين المختلفين رافضا التبعية الخارجية من جهة ومقاوما هيمنة السلاح خارج سلطة الدولة من جهة أخرى

كما أن ما يميز السيد الصدر أنه كان دائما مستعدا لمراجعة قراراته والعودة إلى صوته الداخلي حين يلمس خطرا على وحدة الصف أو سلامة الوطن وهو ما جعله يبدو أحيانا متقلبا في مواقفه لكنه في واقع الأمر يتعامل مع السياسة كأداة لخدمة المصلحة العامة لا كصراع نفوذ أو كراسي

في وقت يتجه فيه البعض إلى حصر مواقفهم ضمن أطر حزبية ضيقة تظل مواقف السيد مقتدى الصدر أكثر انفتاحاً على المتغيرات وأكثر انحيازاً إلى المصلحة العليا للعراق. فالإصلاح بالنسبة له ليس شعارا، بل مشروع مستمر يتطلب الجرأة في اتخاذ القرار والمرونة في تنفيذه، ربما يختلف معه البعض في الأسلوب أو التوقيت لكن من الصعب إنكار أن تأثيره في المسار السياسي العراقي ظل حاضرا وأن خطابه حمل في طياته نبرة وطنية واضحة تسعى إلى تجنيب العراق المزيد من الأزمات والانقسامات

في عراق تتقاطع فيه المصالح وتشتد فيه التحديات . يبقئ الاصلاح الحقيقي هو الخيار الاصعب والاشرف . ومن بين الاصوات التي اختارت هذا الطريق  يبرز من يسعئ للتوازن دون ضجيج  ويمضي نحو التهدئه دون ان يفقد نبرة الموقف

لقد علمتنا التجارب ان الوطن لايبنئ بالشعارات بل بالعقلانية والنية الصافية ومن يعمل بهذا الاتجاه يستحق التقدير مهما اختلفت حوله التوجهات  .