التجارب السياسية في العالم العربي خلال العقود الأخيرة تكشف حقيقة واضحة لا جدال فيها وهي أن الاتكال على الولايات المتحدة الأمريكية كضامن للبقاء أو كحامٍ للسلطة هو رهان خاسر وخطير من يتأمل في مصائر عدد من القادة العرب الذين ربطوا مصيرهم بالمظلة الأمريكية يدرك أن هذه المظلة ما إن تهتز رياح المصالح حتى تنقلب على من احتمى بها وصدام حسين مثال صارخ لهذه المفارقة التاريخية ففي لحظة من الزمن وتحديدًا في أوائل التسعينيات جلب صدام القوات الأمريكية إلى الخليج ظنًا منه أنه يستطيع أن يضبط إيقاع المنطقة من خلال لعبة التوازنات الدولية لكنه لم يدرك أن تلك القوات ستتحول مع الوقت إلى أداة مباشرة للهيمنة والسيطرة وأن حضوره في المعادلة أصبح عبئًا لا ورقة فعالة أما حسني مبارك فقد خدم المشروع الأمريكي والإسرائيلي بإخلاص لثلاثة عقود فتح أبواب السياسة المصرية لتكون متماشية تمامًا مع الإرادة الغربية وقدم خدمات جليلة في ملفات فلسطين والتطبيع وأمن سيناء وحصار غزة ومع ذلك حين خرجت الجماهير إلى الشوارع لم تحرك أمريكا ساكنًا لحمايته بل تركته لمصيره وحينها نطق عبارته الشهيرة من يتغطى بأمريكا عريان لم يكن صدام أقل وعيًا بتجربته الشخصية حين قال بعد سقوطه غدر الغادرون في إشارة إلى أولئك الذين تحالف معهم وأوصلوا للسلطه ثم انقلبوا عليه بمجرد أن انتهى دوره في حسابات القوى الكبرى فتحول إلى قمامه يجب التخلص منها فالدرس الذي يعيد نفسه في كل مرة لابد على كل حاكم ان يتعلمه أن السياسات الأمريكية محكومة بالمصالح لا بالتحالفات وأن من يربط وجوده بشرعية خارجية سيكتشف متأخرًا أنه كان يعيش وهم القوة بينما الحقيقة أن القوة الحقيقية تنبع من الداخل من الناس من الشرعية الوطنية من المؤسسات القوية لا من السفارات ولا من غرف الاستخبارات والزعماء الذين خدموا أمريكا بإخلاص وانتهى بهم المطاف إما في السجن أو المنفى أو القبر يشكلون تحذيرًا حيًا لكل من يظن أن واشنطن هي الضامن الأبدي للبقاء في السلطة أمريكا لا تصادق أحدًا إلى الأبد ولا تعادي أحدًا إلى الأبد هي فقط تحسب المكاسب والخسائر وحين تكون كلفة دعمك أعلى من كلفة إسقاطك فمصيرك محسوم في هذا الشرق المنكوب حيث لا تزال بعض الأنظمة تراهن على رضا واشنطن وتستمد شرعيتها من خطاب خارجي فإن التذكير بعبارة من يتغطى بأمريكا عريان ليس فقط ضرورة تاريخية بل هو تنبيه استراتيجي لكل من يظن أن السياسة الأمريكية يمكن أن تُبنى عليها دولة مستقرة أو مستقبل آمن امريكا تبيع الوهم ومن يصدقها فلا عقل له
فقال جمال الدين الأفغاني الذي سبق زمانه عندما حذّر من الثقة بالغرب، وكان من أوائل المفكرين الذين أدركوا طبيعة المشروع الغربي الاستعماري ليس فقط بوصفه احتلالًا عسكريًا، بل كهيمنة فكرية وثقافية واقتصادية.
لقد قالها بوضوح في أكثر من مناسبة وبأكثر من صيغة: لا تثق بالغرب، لأن ما يُقدَّم منه من شعارات الحرية والتمدّن والتقدم ليس موجهًا لخدمة شعوب الشرق، بل لترويضها وإضعافها وتفكيك إرادتها.الأفغاني، الذي عاش في عصر بدأت فيه أوروبا ترسم خرائط المنطقة وتخطط لتفتيتها سياسيًا وثقافيًا، أدرك مبكرًا أن أي نهضة حقيقية لا بد أن تنبع من الداخل و من وعي الأمة بذاتها بإمكاناتها وبتاريخها لا من انتظار عطف الغرب أو وعوده الزائفة ما قاله الأفغاني يُعدّ حجر أساس في الفكر النهضوي المقاوم، وهو ما يعيدنا إلى نفس الخلاصة التي نراها اليوم بعد مئة عام وأكثر كل من ركن إلى الغرب خُذل وكل من استقوى به انتهى مكشوفًاً مهزومًا، مُهانًا.عبارة “لا تثق بالغرب” ليست مجرد توصية أخلاقية بل قانون تاريخي يثبته الواقع السياسي في العالم العربي والإسلامي منذ قرن وحتى اللحظة.
أيها السياسيون العراقيون لا تثقوا بأمريكان ومعها الدول الغربية أنهم أبناء الشيطآن.