ان القوى العظمى تسير نحو سباق تسلح جديد. كل المؤشرات تؤكد ان هذه القوى العظمى سوف تدخل الى سباق التسلح، على الرغم من انها كلها تؤكد ان ليس في نيتها او في خططها الدخول الى عالم جديد من التسلح الجديد كليا عن ما سبقه من سباق تسليحي في الحرب الباردة؛ إنما جميع إجراءاتها تؤكد تماما من انهم ذاهبون على هذا الطريق وبسرعة. روسيا وضعت خطة اعلنها بوتين؛ من ان روسيا اعدت خطط لتطوير سلاح البحرية وبقية صنوف الاسلحة لعدة سنوات مقبلة. أمريكا وعلى لسان ترامب؛ ان القبة الذهبية؛ ستكون خلال ولايتي؛ جاهزة او تدخل الى ميدان العمل في الجيش الامريكي. حلف الناتو خصص ولأول مرة من الموازنة العامة لكل دول الناتو بما لا يقل عن 5% من الناتج الاجمالي العام لكل دولة من دول الناتو وهي كلها دول الاتحاد الاوروبي زائد امريكا. أما الصين فلم تعلن عن شيء في الذي يخص تطوير قدراتها التسليحية مع انها هي الاكثر اهتماما بتطوير قدراتها العسكرية، سواء على الصعيد النووي، او على غير هذا الصعيد. ان هذا السباق هو في الاول والاخير؛ قاعدة انطلاق نظام عالمي جديد. ان هذا النظام العالمي المرتقب او المفترض؛ صراع القوى العظمى فيه يختلف كليا عن صراع الحرب الباردة، او حروب الانابة في تلك المرحلة من تاريخ البشرية. لكن دول الاتحاد الاوروبي ربما كبيرة؛ تتراجع بطريقة او بأخرى؛ بما يخص مناطق السيطرة والنفوذ؛ لأنها سوف تعقب خطوات امريكا حتى ولو صرح مسؤولوها بخلاف ذلك؛ إن قدراتها ومواردها تفرض عليها فرضا هذه التبعية. روسيا هي الاخرى لا تستطيع مجارارات سباق تسلح يتطلب موارد هائلة ليس في امكانياتها الاقتصادية توفيرها، لكنها مع كل هذا لايمكن ان تكون الا هي، اي لايمكن ان تكون تابعة لأي دولة عظمى، مهما كانت قوتها الاقتصادية والعسكرية. بل هي كما هي في كل تاريخها؛ قوة دولية، لها تأثير وفعل منتجان على الساحة الدولية، لكن ليسا حاسمين بذات درجة ومستوى القوتان العظميان، امريكا والصين. جنوب العالم هو ميدان تنافس هذه القوى العظمى الحالي والمستقبلي، امريكا والصين. ان سباق التسلح الذي قد بدأ فعليا وليس افتراضا او انه سوف يبدأ بعد وقت ما؛ له اهداف امريكية واوروبية، وصينية وروسية على طريق مختلف واهداف مختلفة عن طريق وهدف امريكا و دول اوروبا؛ والأخيرة تعقب مجبرة خطوات الراعي الامريكي والحامي لها ولمصالحها في محيطها والعالم، مع انها في هذه الحماية والتي هي وفي جوهرها؛ هو جلوسها؛ على كراسي الذيلية حول كرسي العرش الامريكي والذي يتوسط مركز الدائرة وبارتفاع.. من وجهة النظر الشخصية؛ ان هذه الاهداف لسباق التسلح تتركز في خطين اساسيين للجهة التكتيكية والاستراتيجية:
اولا، الهدف المرحلي هو استنزاف القدرات الاقتصادية الروسية، وفي داخل هذه المرحلة، مراحل اخرى؛ لجر الصين الى سباق تسلح جديد، يختلف تماما ومن جميع الوجوه عن سباق تسلح الحرب الباردة، مع محاصرتها او تقليص مساحات شراكاتها مع دول جنوب العالم؛ من خلال او عبر ابرام شراكات امريكية مع دول الجنوب وبالذات من لها شراكات مع الصين.
ثانيا، العمل على حيازة القوة العسكرية الفتاكة على طريق الوصول بها الى نقطة او محطة تبعد كثيرا عن محطة بلوغ الخصم لها وعلى ذات الطريق. هذه القوة العسكرية لا تنحصر في القوة العسكرية التقليدية، بل تتعداها الى القوة العسكرية غير التقليدية. وقسم كبير منها؛ ميدانه هو الفضاء الخارجي، سواء بالصواريخ العابرة للقارات والفرط صوتية، والذكية عبر توجيهها ببوصلات على وسائد متعددة، وعلى اقمار اصطناعية متعددة في الفضاء الكوني، على سبيل المثال لا الحصر؛ حرب النجوم في منتصف الثمانينات من القرن السابق، الذي فشلت امريكا فيه، لم تنجزه او لم تستمر فيه، وقبة ترامب الذهبية. يحضرني هنا وفي هذه السطور المتواضعة؛ وفي هذا الوقت الذي بدأ سباق تسلح القوى العظمى وفي نفس الوقت؛ يمنعون على دول الجنوب، ايران وغير ايران من ان تمتلك قوة عسكرية تحفظ لها جغرافيتها وشعوبها من العدوان اي تكون قوة رادعة لها في وجه من يريد بها شرا.. وحتى ان كانت للأغراض السلمية. انه تناقص صراخ من جانب ومن الجانب الثاني يترجم كم ان هذا العالم ظالم ولا عدالة فيه؛ سواء الحاضر اقصد النظام الكوني الذي لايزال له وجود ولو انه وجود باهت وميت كليا؛ الا حين تريد القوى العظمى بعث الحياة فيه لمصالحها ولمقتضيات الضرورة الملزمة لهذه الغايات؛ لناحية اضفاء عليها؛ شرعية قانونية.
من وجهة النظر الشخصية المتواضعة جدا؛ ان سباق التسلح الجديد هذا؛ في جله او في قسم كبير وواسع منه، بين الصين وامريكا. فيما الاخرون سوف يصطفون مع الصين لقسم منهم، فيما القسم الأخر سيصطف مع امريكا في ظل عالم متعدد الاقطاب المفترض او المرتقب ولو بعد حين، ليس طويلا زمنيا..
في كل تصريحات المسؤولون الروس او المسؤولون الصينيون؛ عن العالم البديل المفترض عن عالم الحاضر؛ عالم متعدد الاقطاب؛ يكون عادلا ويحفظ مصالح كل دول وشعوب العالم القوي منها والضعيف، اي ان العالم لسوف يكون واحة امن واستقرار وسلام وتنمية وازدهار يخيم على كل ركن وزاوية من بقاع المعمورة. السؤال الاهم هنا هل هذا صحيح واقعيا في ظل سباق التسلح الجديد، وركض القوى العظمى في امتلاك قدرات الفتك الجبارة، اكثر عددا ونوعا من الخصم المنافس لمصالحها والتي هي في لبها؛ هي مصالح اقتصادية؟ الجواب من وجهة نظر كاتب هذه السطور على محورين:
اولا، ان تدافع القوى العظمى وبالتحديد الصين وامريكا وروسيا ودول الاتحاد الاوروبي، ألمانيا وبريطانيا وفرنسا؛ في امتلاك كل قوى الردع الجبارة والفتاكة؛ الغرض الاساسي؛ هو الدفاع عن مصالحهما خارج حدودهم الجغرافية، وبالذات في دول جنوب العالم؛ في مواجهة الخصوم المنافسين في هذا العالم؛ في افريقيا واسيا وامريكا الجنوبية. ان هناك علاقة تخادمية؛ قطباها الاقتصاد والقوة العسكرية والسياسية وحتى التغلغل الثقافي والسياسي في نسيج مجتمع الهدف لهذه القوى الدولية التي تحكمت ولاتزال تتحكم بمصائر الشعوب والدول. لايمكن عزل حيازة قوى الفتك المدمرة عن جني المغانم الاقتصادية؛ فكل منها تخدم الأخرى؛ القوة العسكرية تساعد في فتح الاسواق والاستثمارات والشراكات مع دول جنوب العالم؛ لأن هذه الدول او اغلبها من التي تريد ان تخط لها طريقا مستقلا وتحمي سيادتها؛ تحتاج الى تنمية مواردها الاقتصادية، والسلاح سواء في امتلاكه او في توطين صناعته من هذه القوة العظمى او تلك القوة العظمى. أما بقية الدول جنوب العالم، من التي لاتفكر كثيرا في استقلال قرارها سواء كان سياسيا او اقتصاديا؛ فهي دول لها شأن اخر مختلف في هذه المعادلة الكونية؛ فيما النفوذ الاقتصادي والسياسي يوفر لها، للقوى العظمى الدولية موارد هائلة توظفها او قسم منها في زيادة قوتها العسكرية كما ونوعا.
ثانيا، القوى العظمى وتحديدا امريكا تخطط في زرع الخراب والحرب الداخلية في هذه الدولة او تلك الدولة من التي تريد ان يكون لها قرار مستقل سياسا واقتصاديا؛ لأجبراها تحت ثقل الحرب الداخلية التي تؤججها امريكا؛ بدءا ومسارا، والعقوبات الاقتصادية؛ بالرضوخ لها، او ترتيب عملية ما لأسقاطها. في التاريخ الكثير منها والتي ليس لها عدد في كل تاريخ امريكا المجلل بالعدوان والظلم وقهر الشعوب. ان هذه السياسة لا تتخلى امريكا عنها حتى في عالم الغد المنشود؛ الا اذا اجبرت على التخلي عنها، اي عن هذه السياسية في هذا المكان او في ذاك المكان من المعمورة. في ذات الوقت ربما تحت ضغط الواقع؛ بوجود منافسين لها في الميدان؛ تقوم بالمهادنة هنا او هناك؛ لتمرير مشاريعها وخططها والتي هي في الجوهر منها؛ هي نهب واستغلال ولو بعد حين او حين يحين الحين؛ وتتمكن من هذه الدولة او تلك الدول من دول جنوب الكرة الارضية. أما الصين وروسيا وبالذات الصين فأنها تختلف كليا وعلى الأقل في هذه المرحلة من مراحل تاريخ البشرية؛ يقومان بتأسيس شراكات مع دول العالم الثالث، شراكات متكافئة ومن غير شروط تسلب الإرادة السياسية والاقتصادية وتجرح السيادة؛ البريكس والتجمع الاوراسي. مما يجعل اغلب الدول التي لا تريد ان تكون ذيلا للسياسة الامريكية، كما تفعل ايران حاليا على سبيل المثال لا الحصر؛ ان تقوم بأبرام شراكات استراتيجية مع الصين وروسيا، سواء بالشكل الفردي، او عبر الانضمام الى هذا التجمع او ذاك التجميع بقيادة محور الصين وروسيا. في الخلاصة ان الصراع بين هذه القوى سيشتد ويتوسع ويتعمق حتى في ظل عالم الغد المنشود او المفترض، لا ان يقل ويتقلص في المساحة وعدد الدول التي يتم ادخالها في ميدان الصراع بطريقة او بأخرى غيرها؛ لتغذية اقتصادها وتقويته وتوفير موارد سباق التسلح. في كل هذا الصراع السابق والحالي والمستقبلي؛ لن تدخل هذه القوى العظمى في حرب مباشرة بينهما مهما كانت الظروف والاحوال، إنما حروبهم هي حروب وكلائهم. اثار انتباهي مقال للكاتب والمحلل الروسي البارع الاكسندر نازاروف؛ بينَ فيه بان الحرب ستندلع بين الصين وامريكا في المقبل من السنوات. استند في هذا التحليل على ان امريكا سوف تمنع توريد الطاقة، النفط والغاز للصين، من خلال السيطرة الامريكية غير المباشرة على نفط وغاز قارة العرب، ومنع ايران عن بيع نفطها الى الصين؛ اي خنق الصين اقتصاديا مما يضطرها على الدخول في حرب مع امريكا. هذا التحليل على جانب كبير من الخطأ؛ للسبب التالي: ان للصين موارد اخرى من النفط والغاز، من روسيا التي تحتاج الى قوة الصين الاقتصادية والى قوتها في ميدان السياسة، ونفط فنزولا. وحتى نفط وغاز دول الخليج العربي وبالذات الحصرية، وليس بقية دول الخليج العربي؛ السعودية التي ربطتها مع الصين؛ علاقات اقتصادية وعسكرية في السنوات الاخيرة، كما ان السعودية وفي حقل الغاز والنفط لم ترضخ للإرادة الامريكية، على الرغم من الود غير المتكافيء بينهما الا انها لم تذعن الى الإرادة الامريكية سواء الدول التي تورد نفطها لها، او كمية نفطها المصدر حسب اتفاقات اوبك بلس. قادت السعودية مع العراق في ذلك الوقت؛ الحظر النفطي على امريكا وبقية الدول التي ساندت ودعمت اسرائيل في حرب عام 1973. كما انها لم ترضخ للطلب الامريكي منها في بداية ادارة بايدن، في زيادة انتاجها من النفط؛ لتخفيض الاسعار، بل خفضت انتاجها لزيادة الاسعار وبالاتفاق مع روسيا..