قرأت تصريحات للفنانة سمية الالفي عن علاقتها بزوجها فاروق الفيشاوي , وأستوقفتني عبارة (( العلاقة التوكسيك )) , وأنا أعرف ان كلمة (( Toxic )) تستخدم في المصطلحات الكيمياوية والطبية , للدلالة على السموم والمواد الضارة , لكن أن تُستخدم لوصف علاقة عاطفية , فهي المرة الأولى بالنسبة لي, وهذا يعكس دقة التوصيف وخطورة هذا النوع من الارتباط , فتمامًا مثل السموم التي تتسلل إلى جسد الكائن الحي وتنهش فيه ببطء , كذلك العلاقة السامة , تتغلغل في الروح والنفس , مسببة دمارًا هادئًا وشاملاً , أو كما قالت سمية (( علاقة مش هتموتك وبس , لا دا هتخليك تتعذب كمان قبل ما تموت )) , ولهذا أجدني أتوقف عند مصطلح (( العلاقة التوكسيك )) , أو (( العلاقة السامة )) الذي بدأ يتردد كثيرًا لوصف نمط معين من العلاقات الإنسانية, تلك العلاقات السامة , عندما يصبح الحب ضرراً.
المتابع للشأن الرومانسي العام وتطور العلاقات بين الشباب من جيل لجيل , يمكنه أن يرصد كيف تطورت وإلى أيّ مدًى اختلفت الأطر والقواعد التي تحكم صدق العلاقات ومصداقيتها , وعند النظر لمصطلح تسمم العلاقات وكيفية إصلاحها أو الخروج منها , فسوف تتفاجأ بمستوى الوعي والمعرفة ومدى تقبُّل أساطير الحب الرومانسي وغير المشروط بين الشباب , مما يجعلك تعيد التساؤل عن ماهية الروابط التي تقيمها مع شريكك , وهل علاقاتك به صحية أم سامة ؟ ليدق جرس بالعقل الباطن , هل لدى كلٍّ منا الحب الذي يستحقه ؟ العلاقة السامة هي أي علاقة , سواء كانت عاطفية , صداقة , أو حتى عائلية , تُسبب ضررًا نفسيًا , عاطفيًا , أو جسديًا لأحد الطرفين أو كليهما , هي علاقة تستنزف طاقتك , تقوض ثقتك بنفسك , وتجعلك تشعر بالضعف وعدم الأمان , غالبًا ما تتميز هذه العلاقات بديناميكيات غير صحية , حيث يكون أحد الطرفين (أو كلاهما) سببًا رئيسيًا في معاناة الآخر , والتعرف على العلاقة السامة قد يكون صعبًا في البداية , خاصة وأنها قد تتسلل ببطء وتتخذ أشكالًا خادعة , مثل التحكم المفرط والغيرة , حيثيحاول الطرف الآخر التحكم في كل جانب من جوانب حياتك , من ملابسك وأصدقائك إلى طريقة تفكيرك وقراراتك , وتتخلل العلاقة غيرة مبالغ فيها تصل إلى حد التملك.
هناك الانتقاد الدائم والتجاهل , حين تتعرض للانتقاد المستمر, سواء لمظهرك , أفكارك , أو حتى مشاعرك , فقد يتم تجاهل احتياجاتك العاطفية بشكل متكرر, مما يجعلك تشعر بعدم الأهمية , والتقليل من الشأن والتلاعب , عندما يتعمد الطرف الآخر التقليل من إنجازاتك وقدراتك , وقد يستخدم التلاعب العاطفي (مثل الشعور بالذنب أو التهديد) للسيطرة عليك , وكذلك التقلبات المزاجية الحادة والعنف (لفظي أو جسدي) , عندماتتميز العلاقة بتقلبات مزاجية غير متوقعة من قبل الطرف الآخر , وقد تتضمن عنفًا لفظيًا (صراخ , إهانات) أو حتى جسديًا , أضافة الى ان الطرف السام قد يدفعك إلى الابتعاد عن شبكة دعمك من الأصدقاء والعائلة , مما يجعلك أكثر اعتمادًا عليه وأكثر ضعفًا , لتجد نفسك دائمًا متعبًا , حزينًا , أو قلقًا بسبب هذه العلاقة , فتختفي مشاعر السعادة والفرح تدريجيًا , وبدلاً من أن تكون العلاقة مصدرًا للدعم والنمو, تجد أنها تستنزف طاقتك وتثبط من عزيمتك.
يحلم الكثير من الأشخاص بالدخول فى علاقة عاطفية مع شخص يبادله نفس المشاعر من حب واحترام ويجعلهم يشعرون بالأمان , الذى طالما بحثوا عنهم طوال الوقت , لكن قد يكتشف البعض بعد مرور فترة من الزمن بأنهم فى علاقة مع شخص يجعلهم لا يشعرون بالرضا عن أنفسهم ودائمًا ما يقلل من شأنهم ولا يبادلهم نفس مشاعر الود والاحترام , ما يجعلهم يشعرون بالحزن والرغبة فى الانفصال لإنهاء هذه المشكلة , وهذه العلاقة تسمى بالعلاقة العاطفية السامة , تقول الطبيبة النفسية سيلفيا كونجوست : (( العلاقة السامة هي تلك التي ينتهي بك الأمر فيها إلى المعاناة أو الشعور بالتعاسة , مما يجعلك تشعر بالقلق والإكتئاب وتفقد ثقتك بنفسك تدريجياً ويحدث ذلك عندما تتعرض للإساءة العاطفية أو الجسدية ,ولكن يمكن أن يحدث أيضًا في العلاقات التي لا يوجد فيها شيء مشترك بينكما , ووجود العديد من الأشياء التي تشير إلى إنك فى علاقة عاطفية مع الشخص الخطأ , والشعور بالشك دائمًا , مع صعوبة التأكد من حقيقة هذه الشكوك.
تقول سمية الالفي : (( ان فاروق الفيشاوي كان بيتعامل معايا على اني ملكية خاصة ليه )) , ان العلاقة السامة ليست حبًا , بل هي قيد يُكبل الروح ويُفقد الحياة بهجتها, إن إدراك خطورتها والتحلي بالشجاعة لمواجهتها هو أولى خطوات التحرر نحو حياة أكثر صحة وسعادة , ولنتذكر دائمًا أننا نستحق علاقة مبنية على الاحترام المتبادل , الدعم , والحب الحقيقي , وللخروج من نفق العلاقة السامة , نحو التحرر منها , يجب الاعتراف بوجود المشكلة, بعد ذلك , تتطلب العملية شجاعة وقوة للبدء في طلب الدعم كأن تتحدث إلى صديق موثوق به , فرد من العائلة , أو معالج نفسي , فالدعم الخارجي يمكن أن يوفر لك منظورًا مختلفًا والقوة اللازمة للمضي قدمًا , مع ضرورة وضع حدود واضحة ,إذا كان الانفصال الكلي غير ممكن في البداية (كما في العلاقات العائلية) , فمن الضروري وضع حدود صارمة لحماية نفسك , واستعادة طاقتك العاطفية والنفسية , بأن تخصص وقتًا لنفسك , لممارسة هواياتك , ولإعادة بناء ثقتك بنفسك , والابتعاد الكلي عن العلاقة السامة فهو الحل الوحيد لاستعادة صحتك النفسية والعاطفية , كما يمكن للمعالج النفسي أن يقدم لك الأدوات والدعم اللازم لمعالجة الصدمات الناتجة عن العلاقة السامة , وتطوير آليات دفاع صحية , وبناء علاقات مستقبلية سليمة.
وصف الشعراء القدامى كثيرًا عذاب الحب الذي لا يجلب إلا الألم , وهو ما يمكن أن يتوافق مع فكرة العلاقة السامة , يقول المتنبي في وصف الغدر وقلة الوفاء , والتي يمكن أن تترجم إلى نوع من (( سمية )) العلاقة : (( إِذَا غَدَرَ الغَدّارُ شَكَّ فَإِنَّنِي غَدَرْتُ بِوَفْرِ العُمرِ وَالدَهْرُ غادِرُ )) , ويقول أيضًا في بيت شهير يعبر عن مرارة الخيانة : (( وَمَن يَكُ ذا فَمٍ مُرٍّ مَريضٍ يَجِد مُرّاً بِهِ الماءَ الزُّلالا )) , وهو هنا يعكس كيف أن الشخص المريض (أو المتأثر نفسيًا بعلاقة مؤذية) يرى كل شيء مرًا , حتى الأشياء النقية , وهذا يصف بدقة تأثير العلاقة السامة على إدراك الشخص لواقعه , ويقول مجنون ليلى (قيس بن الملوح) : (( أَمُرُّ عَلَى الدِّيَارِ دِيَارِ لَيْلَى أُقَبِّلُ ذَا الجِدَارَ وذا الجِدَارَا وَمَا حُبُّ الدِّيَارِ شَغَفْنَ قَلْبِي وَلَكِنْ حُبُّ مَنْ سَكَنَ الدِّيَارَا )) وهنا يظهر الشغف المؤلم الذي لا يجد له راحة , بل يزيد من الشوق والمعاناة , ويقول آخر: (( إِذا حَزِنَت أَصابَ القَلبَ هَمٌّ وَإِن فَرِحَت سَرى قَلبي وَطابا )) , خيث يصف مدى تعلق الشاعر بمن يحب , حتى أن سعادته وحزنه مرهونان بمزاج الطرف الآخر, وهو مؤشر على علاقة قد تكون مرهقة نفسيًا وتستنزف الذات.