الحرب بين إسرائيل وإيران هدنة هشّة في ظل تاريخ من الغدر ونقض العهود

الحرب بين إسرائيل وإيران هدنة هشّة في ظل تاريخ من الغدر ونقض العهود

كثيراً ما يُردّد البعض من السطحيين أو أصحاب الأجندات المشبوهة أن ما جرى مؤخراً بين إسرائيل وإيران لم يكن سوى مسرحية مدبرة أو تبادل رسائل محسوب متفق عليه مسبقاً بين الطرفين والواقع أن هذا الطرح لا يصمد أمام الحقائق الميدانية ولا يمكن قبوله من أي باحث أو متابع يمتلك الحد الأدنى من الفهم العسكري أو السياسي لأن ما جرى لم يكن مجرد تصعيد بل كان مواجهة مباشرة غير مسبوقة وكسرت قواعد الاشتباك التقليدية وغيّرت موازين الردع في المنطقة

لقد تجاهل المشككون عن عمد ما جرى في عام ٢٠٢٤ حين ردت إيران بشكل مباشر على اعتداءات إسرائيل المتكررة واستهدفت مواقع عسكرية حساسة داخل العمق الإسرائيلي بصواريخ ومسيرات دقيقة وهو رد غير مسبوق في حجمه وتوقيته وقد أحدث ارتباكاً حقيقياً داخل الكيان كشف حدود قدرته الدفاعية وعرّى هشاشة جبهته الداخلية التي شهدت موجات هروب جماعية للإسرائيليين نحو الخارج بسبب الشعور بعدم الأمان إسرائيل التي اعتادت أن ترد دون أن تتلقى أي رد فُرضت عليها معادلة جديدة لم تعهدها من قبل وأمام هذا التحول لم يكن أمامها سوى الرضوخ تحت ضغط الخسائر والضربات وطلب التهدئة عبر وساطات  عربية وغربية بقيادة الولايات المتحدة التي رأت في استمرار الحرب تهديداً لمصالحها في المنطقة ومع ذلك فإن هذه الهدنة لا تعني نهاية الحرب بقدر ما تعني وقفة تكتيكية لإعادة التقييم ومن يقرأ تاريخ إسرائيل منذ تأسيسها يدرك أن الغدر والخداع سِمتان ملازمتان لسلوك هذا الكيان فقد خالفت قرارات الأمم المتحدة ونقضت كل الاتفاقات الموقعة مع الفلسطينيين والعرب واغتالت قادة المقاومة في لحظات التهدئة وارتكبت المجازر تحت غطاء الهدنات فهل يُعقل بعد كل هذا أن يؤخذ طلبها للهدنة على محمل حسن النية أو يُفترض فيه التزام دائم منذ عملية طوفان الأقصى في غزة التي فاجأت إسرائيل وأربكت حساباتها الأمنية والعسكرية وحتى دخول حزب الله في مواجهة استنزافية ثم انخراط اليمن في ضرب الملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر وما تبع ذلك من تصعيد إيراني مباشر فإن إسرائيل وُضعت أمام واقع استراتيجي جديد لم تألفه وقد أدى هذا الوضع إلى تصدع داخلي وتراجع في ثقة المجتمع بالحكومة والجيش فضلاً عن تراجع المخزون التسليحي وخسائر اقتصادية فادحة ما دفعها اضطراراً إلى قبول وقف إطلاق النار ومحاولة إعادة ترتيب وتنظيم نفسها وقدراتها العسكرية على أمل قلب المعادلة لاحقاً لكن جوهر العقيدة الأمنية الإسرائيلية لا يقبل بالخضوع طويلًا وهي ترى أن أي تهدئة طويلة تُفهم كضعف وهذا ما يجعل احتمال عودتها لنقض الهدنة وارداً في أي وقت وتبقى تراقب عن كثب وتنتهز اي فرصه اخرى تعيد بها الحرب إسرائيل ليست دولة تبحث عن السلام بل كيان عسكري استيطاني يقوم على فكرة التفوق والهيمنة والردع المسبق وليس لديها مانع من نقض أي تفاهم أو هدنة إذا رأت في ذلك فرصة لإعادة فرض شروطها وهذا ما فعلته في مواجهات سابقة مع الفلسطينيين وفي حروبها مع حزب الله حيث كانت تطلب التهدئة عندما تُهزم وتعود للهجوم عندما تستعيد أنفاسها لهذا فإن من يروّج لفكرة أن ما جرى بين إسرائيل وإيران مجرد تمثيلية إما أنه لا يعي الحقائق أو أنه يهدف إلى تمييع إنجازات الرد الإيراني وتحطيم معنويات الشعوب المناهضه للكيان الصهيوني فالمعركة حقيقية والخسائر كبيرة والهدنة مفروضة على إسرائيل لا اختيارية والأهم أن هذه ليست نهاية الصراع بل محطة من محطاته فالمنطقة اليوم تعيش في ظل اشتباك مفتوح قابل للانفجار في أي لحظة لأن أسباب الحرب لا تزال قائمة والمشروع الصهيوني بطبيعته لا يقبل التعايش أو التوازن وهو لا يحتمل وجود قوة إقليمية مثل إيران تمتلك الإرادة والقدرة على الرد فإن من أراد أن يفهم المرحلة فعليه أن يقرأ التاريخ ويحلل الوقائع لا أن يستسلم للدعاية الموجهة أو التفسيرات الساذجة لأن ما جرى هو تحوّل استراتيجي لا مسرحية إعلامية ومعركة فرض فيها  ايران معادلة جديدة رغم كل محاولات التشويش والتهوين . مع ذلك اننا نرى عودة الحرب مرجحة وذلك على ضوء ماذكرت اعلاة اسرائيل لها تاريخ اسود في نقض العهود هدنتها وفق رؤيتنا مجرد تكتيك لكسب الوقت وإعادة تنظيم وضعها عسكريا وبشكل وآخر ستجد عذراً واهي بعودة عدوانها على ايران ..

أحدث المقالات

أحدث المقالات