الشيعة وعلاقتهم الروحية العميقة بمحمد وآل بيته الكرام ليست مجرد انتماء مذهبي، بل هي ولاء عقائدي ووجداني يمتد عبر التاريخ، يتجدد مع كل جيل، ويترسخ في النفوس عبر المرجعيات الدينية العليا، التي تُعتبر الامتداد الطبيعي لرسالة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم. هذه العلاقة الخاصة صنعت جبهة متماسكة لم تستطع القوى العالمية حتى الآن كسرها أو احتواؤها، لا بالحرب ولا بالعقوبات ولا بالحملات الإعلامية.لقد تعلمت الإدارة الأمريكية ومعها الكيان الإسرائيلي من تجارب متعددة، أن التعامل مع الشيعة لا يمكن أن يكون كتعاملها مع تيارات سياسية تقليدية أو جماعات منفصلة يمكن تفكيكها أو السيطرة عليها عبر الأدوات المعتادة. فالمراجع الدينية الشيعية، وعلى رأسها المرجع الأعلى في الجمهورية الإسلامية الإيرانية السيد علي الخامنئي، ليست رمز ديني فقط، بل هو هوية وكيان وعقيدة. أي محاولة للمساس به تُعد في الوجدان الشيعي مساسًا مباشرًا بمقام آل البيت، وتؤدي إلى انفجار غضب شعبي وجماهيري لا يمكن السيطرة عليه بسهولة.في عام 1979، عندما انتصرت الثورة الإسلامية في إيران بقيادة الإمام الخميني، بُني النظام الجديد على أساس ولاية الفقيه، مما جعل المرجعية الدينية في طليعة القيادة السياسية. ومنذ ذلك الحين، باتت العلاقة بين القاعدة الشعبية والمرجعية علاقة طاعة عقائدية لا تُكسر في 2003، بعد الاحتلال الأمريكي للعراق اكتشفت واشنطن سريعًا أنها لا تستطيع إدارة البلاد دون الأخذ برأي المرجع الأعلى في النجف السيد علي السيستاني، الذي استطاع بفتاواه أن يوجّه الحياة السياسية ويضبط الانفلات الأمني بل ويُخرج الملايين إلى صناديق الاقتراع.في 2014، عندما تمدد تنظيم “داعش”، كانت فتوى الجهاد الكفائي من المرجعية الدينية هي التي حرّكت عشرات آلاف الشباب نحو جبهات القتال وأسهمت في دحر التنظيم بسرعة تفوقت على كل التوقعات الدولية هذا السياق يبيّن بوضوح أن المساس بالمراجع ليس مسألة داخلية أو تصرفًا سياسيًا بل هو مغامرة ذات طابع كوني في نتائجها لما تمثله هذه الشخصيات من رمزية لدى ملايين من المؤمنين في العالم وعليه فإن أي تصرف متهور من قبل الإدارة الأمريكية أو الكيان الإسرائيلي نحو السيد علي الخامنئي أو أي مرجع شيعي بارز لن يُقابل بردود فعل عابرة بل سيكون شرارة لانفجار شعبي وأمني عالمي. لن يكون هنالك شيعي واحد في العالم لا يشعر بأن هذا الاستهداف موجه له شخصيًا، ولن تكون هناك بقعة على الأرض تضم مصالح أمريكية أو إسرائيلية دون أن تصبح هدفًا محتملاً لغضب عابر للحدود من يتصور أن اغتيال مرجع أو زعيم روحي يعني نهاية المعركة فهو لم يفهم شيئًا عن طبيعة الصراع على العكس سيكون ذلك الفعل بداية لمعركة طويلة غير تقليدية تمتد من باكستان إلى نيجيريا، ومن لبنان إلى اليمن، ومن طهران إلى لندن ستتفوق هذه المواجهة على المفاهيم الكلاسيكية للحروب، لأنها ستكون عقائدية، وهو النوع الأخطر على الإطلاق إن التحذير هنا ليس للاستهلاك الإعلامي بل هو دعوة عقلانية للتفكر في النتائج، وتقدير العواقب قبل فوات الأوان. إن المساس برموز العقيدة الشيعية، وفي مقدمتهم السيد الخامنئي، ستكون له عواقب وخيمة جدًا لا على المنطقة فحسب، بل على النظام الدولي برمته. وعلى صناع القرار في واشنطن وتل أبيب أن يدركوا أن هناك حدودًا إذا تم تجاوزها، فإن النار التي تشتعل بعدها لن ينجو منها أحد ..