لماذا العراق بحاجة إلى “شرع”؟

لماذا العراق بحاجة إلى “شرع”؟

قد يبدو العنوان مستفزاً للولائيين وأبواق السلطة الحاكمة، ولكن لابد من طرحه ليطّلع المغيبة عقولهم عن الحقيقة.
ففي غضون ستة أشهر فقط، نجح الرئيس السوري أحمد الشرع في أن يقدّم نموذجاً متقدماً لقيادة الدولة، فيما فشلت الطبقة الحاكمة في العراق، خلال اثنتين وعشرين سنة، في الخروج من دوامة الفشل والفساد والاحتراب الأهلي بكافة أشكاله.
هذا التناقض الصارخ يطرح سؤالاً جوهرياً: هل العراق بحاجة إلى “شرع” خاص به؟ وهل آن أوان الانعتاق من قبضة النظام الميليشياوي إلى منطق الدولة؟.

على ما تقدم، دعونا أيها السادة نجري مقارنة بسيطة بين العراق الإطاري وسوريا الشرع علّنا نجد مشروعة عنوان المقال:

بين الشرع… و”الفوضى المُنظمة”

القائد أحمد الشرع لم يكن منقذاً خارقاً، لكنه امتلك أدوات الدولة: عقل سياسي متزن وراجح، إرادة صُلبة وإصلاحية حقيقية، وحسّ قيادي وسيادي لا يُساوم.

رغم أن خزينة سوريا شبه خاوية، وفوضى سلاح وفصائل، ومجتمع مكلوم بسنوات الحرب والقمع، تمكن الرجل خلال نصف عام من:
إعادة ثقة العرب بسوريا، وفتح أبواب التعاون العربي المشروط بالسيادة.

بناء جسور تواصل مع الغرب، عبر خطاب هادئ وإجراءات مدروسة، بعيداً عن الشعارات.

دمج الفصائل المسلحة أو تحييدها، في عملية معقدة أنهت حالة السلاح المنفلت، وأعادت الهيبة للمؤسسة العسكرية.

تحسين الخدمات العامة، رغم شحّ الموارد، مع إعادة الروح للعاصمة دمشق والمدن الكبرى.

جلب استثمارات أولية من الخليج، في مشاريع بنية تحتية وسكن ومواصلات والقادم أكثر.

ضبط الخطاب الإعلامي والسياسي، عبر عقلنة الفضاء العام دون قمع أو تعّسف.

إرساء توازن دقيق بين الخصوصية السورية والانفتاح الخارجي، دون التفريط بالهوية أو الانجرار وراء المحاور.

ومع هذا الأداء العقلاني، بدأت العواصم العربية والغربية تمد يد العون لسوريا، وتتعامل مع القيادة الجديدة بوصفها ركيزة في استقرار المنطقة.
فيما تفقد حكومة السوداني وقبلها الحكومات المتعاقبة ثقة الغرب والعرب بسبب انصياعها الكامل للأجندة الإيرانية، وعجزها عن تقديم نموذج وطني مستقل أو إصلاحي، تستعيد دمشق موقعها السياسي تدريجياً على الصعيدين الإقليمي والدولي.

العراق: بلدٌ محكوم بالأزمات

أما العراق، وبعد أكثر من عقدين على “التغيير”، فلا يزال تحت قبضة اللا مشروع، ويخضع لتحالف مافيوي من أمراء الطوائف والسلاح والفساد.

فشل ذريع في مشروع الدولة والمواطنة، لحساب مشاريع طائفية وهويات فرعية.

ترسيخ الكراهية والانقسام الاجتماعي، بخطاب تعبوي عبثي، يستحضر الماضي لصناعة عداوات الحاضر.

فساد ممنهج ينخر “الدولة” من رأسها حتى أسفلها، دون مساءلة أو محاسبة.

محاصصة طائفية تخنق المؤسسات وتمنع بناء كوادر إدارية مهنية.

تقديم الجهلة والفاشلين على أصحاب الخبرة والكفاءة، ضمن ولاءات حزبية وشخصية.

إهمال متعمد للخدمات الأساسية، وحرمان ممنهج للمواطن من أبسط حقوقه.

انتشار السلاح خارج الدولة، وتحوله إلى أداة للابتزاز السياسي والاقتصادي.

تعدد الرايات والإعلام الحزبي، بما خلق بيئة خطابية فوضوية تحرّض وتضلّل.

قوانين مستوردة لا تتناسب وهوية العراق وثقافته الاجتماعية، وسط ترويج لفوضى قيمية، شملت المثلية وتبادل الأزواج في مجتمع منهك ثقافياً.

ارتهان القرار لإيران، حتى باتت السيادة الوطنية مجرّد ديكور سياسي.

سيطرة أحزاب دينية توظف الدين للنهب والتسلّط، وتمنع أي مشروع تحديث أو نهضة.

هيمنة عقلية الثأر والانتقام، بدل منطق العدالة والمصالحة والمؤسسات.

الفرق في نظر واشنطن

من المفارقات الصادمة، أن الولايات المتحدة رفعت العقوبات عن سوريا تدريجياً، واعتبرتها شريكاً مؤهلاً في ملفي الأمن الإقليمي ومكافحة التطرف، بينما مدّد الرئيس ترامب حالة الطوارئ في العراق، كونه “يشكل تهديداً استثنائياً للأمن القومي الأميركي”، نتيجة تغلغل النفوذ الإيراني، وفشل النظام في ضبط الأمن والاقتصاد.
كما أن واشنطن تشجّع حواراً استثمارياً مع دمشق، بينما تتحاشى الشركات الدولية دخول العراق، بسبب بيئة سياسية وأمنية طاردة.

المقارنة المؤلمة… والفرصة المهدورة

سوريا الخارجة من ركام الحرب تكسب ثقة العالم – العراق الذي يمتلك كل الموارد يخسر ثقة الجميع.

سوريا تتّحد تدريجياً تحت مظلة الدولة – العراق يتفكك يومياً تحت رايات الميليشيات الولائية.

سوريا تعود إلى العرب – العراق يُغرق نفسه في التبعية.

ألم يحن وقت “شرع العراق”؟
العراق لا يعاني من نقص الموارد، بل من فائض الفساد والفشل الذي تفرضه أحزاب لا تؤمن بالوطن ولا بالدولة.
ولا يفتقر إلى الطاقات، بل إلى القيادة الرشيدة.
كما أن العراق لا يحتاج إلى وصفات مستوردة، بل إلى رجل دولة بحجم التحدي، وإلى شعب واعٍ يجدد القول بشجاعة للفاسدين الفاشلين “كفى” و “نريد وطن”.
لهذا نسأل وبإصرار: ألم يحن الوقت لظهور “شرع العراق”، الذي يعيد للبلد توازنه، سيادته، وكرامته؟

أحدث المقالات

أحدث المقالات