حرب حسن نصر الله الأخيرة – (1) – استراتيجية «النصف حرب»

حرب حسن نصر الله الأخيرة – (1) – استراتيجية «النصف حرب»

عند السادسة والنصف من صباح السابع من تشرين الأول 2023، شنّ الجناح العسكري لحركة حماس هجوما مفاجئاً على إسرائيل أسفرَ عن مقتل حوالي ألف ومئتيْ شخص وأسر أكثر من مئتين وخمسين شخصاً اقتيدوا لداخل قطاع غزة لغرض تبديلهم لاحقاً بأسرى فلسطينيين ولتقييد رد الفعل الإسرائيلي الساحق الذي أتى بعد بضع ساعات من عملية «طوفان الأقصى».

حركة حماس أحد أطراف «جبهة المقاومة» التي تضم إيران، حزب الله اللبناني، أنصار الله اليمنيين، بضعة فصائل مسلحة عراقية وسوريا (لغاية الثامن من كانون الأول 2024؛ يوم سقوط نظام حزب البعث العربي الاشتراكي في سوريا). ولا يخفى العامل المذهبي المشترك الذي يشمل كافة أطراف المحور ما عدا «حماس».

إن الذي خطط وأدار هجوم «7 أكتوبر» هما القائدان يحيى السنوار، قائد حركة حماس في غزة (حينها) [1]، ومحمد الضيف، قائد كتائب عز الدين القسام [2]. أطلق على العملية اسم «طوفان الأقصى». أما الاسم الدارج في الإعلام فهو «7 أكتوبر».

 

حفاظا على سرية الهجوم، شنّ السنوار والضيف هجومهما بسِريّةٍ تامة، فلم يخبرا الحلفاء في «جبهة المقاومة»، ولم يخبرا حتى الجناح السياسي لحركة حماس. يقول الصحفي اللبناني علي هاشم في مقال له بعنوان (إيران والردع المضطرب: المساحة الرمادية تضيق) إن «الطوفان كان مفاجئاً لإسرائيل وإيران وحزب الله وقطر وتركيا وأميركا والعالم بأسره على حد سواء» [3]. هذه الحقيقة أكدها السيد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله اللبناني، في حديث له في الثالث من تشرين الثاني 2023، حيث أكد أن عملية «طوفان الأقصى» «كان قرارها فلسطينياً مئة بالمئةوكان ‏تنفيذها ‏فلسطينياً مئة بالمئة قد أخفاها أصحابها عنالجميع حتى عن فصائل المقاومة في غزة، ‏فضلاً عن بقية‏دول وحركات محور المقاومة، وهذا ضمن سريتها المطلقة،وهذه السرية المطلقة ‏هي التي ضمنت نجاح ‏العملية الباهرمن خلال عامل المفاجئة المذهلة» [4]. حركة حماس أكدت ذلك أيضاً على لسان أسامة حمدان، أحد أبرز قادتها، الذي أوضح أنّ الحركة لم تنسِّق «مع حزب الله قبل معركة طوفان الأقصى ولم نطلب منه شيئاً» [5].

 

عدم التنسيق هذا أربك إيران وحزب الله، فلا أحد منهما كان جاهزاً لخوض الحرب، وأية حرب، حرب طرفها الآخر الولايات المتحدة والمعسكر الغربي وإسرائيل المكلومة المستباحة المجروحة في كبريائها وغرورها.

 

بيّنَ الصحفي الفلسطيني عبد القادر فايز، مدير شبكة قناة الجزيرة في إيران، وهنا انقل كلامه مع بعض التصرف، أن الساحة الإيرانية كانت مرتبكة في التعامل مع «7 أكتوبر»، فهناك من خرج وبدأ ينادي، وبعضهم سياسيون ومسؤولون، بأن ما حصل في «7 أكتوبر» كان خطأ إستراتيجيا وفي توقيت خطأ وهذا ليس فعل مقاومة، وإننا لسنا معنيين بالدفاع عن الاخرين إذا كان الاخرون يتخذون قراراً منفرداً. أفكار من هذا القبيل بدأت تنتشر في إيران [6]. ولضبط الساحة الإيرانية، اضطر «قائد الجمهورية» علي خامنئي للتحدث بعد يومين فقط من حدوث «7 أكتوبر» وبارك العملية. وهذا أمر لم يعتد عليه، فقد دأب على ألا يعلّق على الاحداث الإقليمية إلا بعد مرور أسبوع أو أكثر على حدوثها، لكن اضطراب الساحة الإيرانية دفعه لفعل ذلك [6].

إن خامنئي مع أي عمل ضد إسرائيل في كل مكان وزمان، إلا أن ذلك لا يعني أن إيران يمكن ان تحارب حسب توقيتات «حماس».

 

اما بالنسبة لحزب الله، فإضافة لعدم الجاهزية وانعدام التنسيق، فإنّ لبنان يعاني من أزمة اقتصادية خانقة، والبلد كان بلا رئيس ويدار بحكومة تصريف اعمال. ولا أحد في لبنان يريد خوض حرب مع إسرائيل يعرف الجميع نتائجها. وبدلا من أن يفعل حسن نصر الله كما فعل «قائد الجمهورية»، فإنه خلال ساعات وبدون دراسة [7]، قرر الدخول في معركة محدودة محصورة بالأراضي اللبنانية المحتلة، مزارع شبعا وتلال كفر شوبا، عبر مشاغلة القطعات العسكرية الإسرائيلية الموجودة المنطقة المذكورة، دون أي استهداف للأراضي الإسرائيلية. إنها بحق حرب «حرب حسن نصر الله».

 

سقطت حدود أرض المعركة التي حددها «حزب الله» في اليوم التالي، حيث قصف مقاتلو منظمة الجهاد الإسلامي أرضاً إسرائيلية وقتلت ضابطاً اسرائيلياً. بعد هذه العملية باشر الجيش الإسرائيلي ضرب مواقع الحزب خارج الخط الأزرق. وكان الجيش الإسرائيلي قاسيا في ردوده. لقد سقط الردع الذي عوّل عليه نصر الله. رغم ذلك واصل «حزب الله» ضبط ردوده حرصاً على إبقاء سقف المعركة منخفضاً لأن السيد حسن لم يرد تكرار الخراب والتهجير اللذين خلفتهما حرب «تموز 2006» [7].

 

يقول الصحفي علي هاشم إن إبراهيم عقيل، قائد قوة الرضوان والمعاون الجهادي لنصر الله، كان ضد «نصف الحرب» التي أراد حسن نصر الله خوضها، «أما حرب أو لا شيء، لأنهم (الإسرائيليين) سيتصيدوننا» [7]. وهذا ما حصل، وكان هو إبراهيم عقيل أحد الذين اصطيدوا، فقد اغتيل بغارة جوية في الضاحية الجنوبية في العشرين من أيلول 2024.

 

وفي لقاء تلفزيوني قال السيد نواف الموسوي، مسؤول ملف الموارد والحدود في حزب الله، إن «الأميركيين كانوا مشاركين بالكامل على مستوى القرار السياسي او على مستوى الأداء الميداني مع صاحب القرار الإسرائيلي في هذه الحرب، بل هم كانوا أصحاب القرار». وأضاف «لقد وضعتُ على طاولة السيد (حسن) في أوائل شباط 2024 (ورقة مكتوبة) قلت فيها: سيدنا، ما نحن نتعرض له الان هو أن الأميركيين اخذوا قراراً ببسط سيطرتهم المطلقة على منطقتنا». وبالتالي فإن:

«الهدف الأول: شطب المقاومة في لبنان»

«الهدف الثاني: اسقاط النظام في سوريا»

«الهدف الثالث: احتواء إيران، إما عن طريق المفاوضات التي تؤدي الى إعادة إيران الى كنف السيطرة الأميركية او توجيه ضربة ساحقة لإيران» [8].

وحين سألَتْه مقدمة البرنامج فيما إذا بدّل هذا المعطى في ستراتيجية السيد حسن، أجاب الموسوي «إن سماحة السيد كان ملتزما أخلاقيا بالوقوف الى جانب الشعب الفلسطيني. السيد كان يعرف أننا حالما نفتح الجبهة، فإنّ العدو سيقتحم كل تحصيننا الناشئ عن قوة الردع وسيضرب كل مكان يقدر على ضربه» [8].

 

بيّن حسن نصر الله أن «الجبهة اللبنانية ‏خفّفت جزءًا ‏كبيرًامن القوات التي كانت ستُسخَّر للهجوم على غزة وجذبتها‏باتجاهنا» [4]. لكننا لم نشهد أي أثر لذلك على ارض الواقع، فآلات الإفناء الإسرائيلية ظلت تعمل على أكمل وجه موقعة الدمار والموت في غزة وأهلها. حيث قتل الجيش الإسرائيلي ثمانية آلاف فلسطينيا في تشرين الأول، وسبعة الاف في تشرين الثاني، وسبعة آلاف في كانون الأول 2023.

 

اما على الصعيد اللبناني، فقد استجلبت «حرب حسن نصر الله» الخراب والتهجير للبنان وأهله، في تكرار مملٍ لحرب «تموز 2006». يفتخر حسن نصر الله بنزوح المستوطنين الإسرائيليين من بيوتهم في شمال إسرائيل ويعده منجزاً من منجزات «معركة الإسناد». في المقابل، تسبب الرد الإسرائيلي في نزوح أهالي جنوب لبنان من بيوتهم.

المقال القادم سيتناول المتشابه والمختلف بين حرب «تموز/يوليو 2006» وحرب «8/10/2023 – 27/11/2024»  

 

 الهوامش:

[1] يحيى السنوار: قائد حركة حماس في قطاع غزة حينذاك، ثم الزعيم السياسي للحركة بعد اغتيال إسماعيل هنية. قتل السنوار في اشتباك مع قوات عسكرية إسرائيلية في غزة في 16-10-2024.

 

[2] محمد الضيف: قائد كتائب عز الدين القسام. قتل بغارة جوية في غزة في 13-07-2014.

 

[3] علي هاشم، إيران والردع المضطرب: المساحة الرمادية تضيق، موقع الجادّة. في 30 كانون الأول 2023.

https://aljadah.media/archives/75567

 

[4] كلمة السيد حسن نصر الله – تأبين الشهداء على طريق القدس. موقع قناة المنار اللبنانية. في 03 تشرين الثاني 2023

https://program.almanar.com.lb/episode/295711

 

[5] يوتيوب. جسر بودكاست – منصة سما القدس. لقاء معأسامة حمدان. الطوفان في عام: المكاسب والتحديات ومستقبل المعركة. المحاوِر: خير الدين الجابري. في 11 تشرين الأول 2024.

https://www.youtube.com/watch?v=5GPBDEHd-tg

 

[6] يوتيوب. بودكاست الشرق. لقاء مع عبد القادر فايز. قصة محور المقاومة من الثورة الإيرانية حتى سقوط الأسد. المحاور: عبد الرحمن الناصر. في 10 كانون الثاني 2025.

https://www.youtube.com/watch?v=-wHkUglsXWI

 

[7] يوتيوب. جسر بودكاست. لقاء مع علي هاشم. القصة الكاملة لحزب الله: من الولادة تحت النار إلى الطوفان. المحاور: خير الدين الجابري. في 28 شباط 2025.

https://www.youtube.com/watch?v=EYVVfPu2tCs&t=284s

 

[8] يوتيوب. قناة الميادين – برنامج نقاش. لقاء مع نواف الموسوي. المحاوِرة: مايا رزق. في 3 آذار 2025.

https://www.youtube.com/watch?v=HU1PguUNtdk

أحدث المقالات

أحدث المقالات