إسرائيل ترد برسالة قصف شاملة في قطاع غزة على البيان الختامي للقمة العربية/بغداد؟

إسرائيل ترد برسالة قصف شاملة في قطاع غزة على البيان الختامي للقمة العربية/بغداد؟

في الوقت الذي كانت فيه بغداد تستضيف القمة العربية الرابعة والثلاثين، يوم السبت 17 أيار 2025، كثّفت إسرائيل قصفها على قطاع غزة منذ ساعات الفجر الأولى، مُسقطةً مئات الشهداء والجرحى في ساعات قليلة وما تزال متواصلة لغاية الآن ، وفي رسالة موجهة استفزازية سافرة تُعلن فيها عن استهتارها المُطلق بالقرارات الدولية والبيانات العربية والتي أصبحت لا تتجاوز حبرًا على ورق. هذا التصعيد المقصود هي رسالة تحدي وعنجهية موجهة الى القادة العرب، والذي تزامن مع انتظار صدور البيان الختامي النهائي للقمة، هذا القصف ليس مجرد استعراض أو عمل عسكري أو حتى تمرين تعبوي، بل في حقيقته كان صفعة مدوية مؤلمة لكل من يراهن على فعالية هذه التجمعات العربية العقيمة، التي أصبحت مسرحًا للخطابات إنشائية فارغة من أي محتوى وبيانات الاستنكار التي لا تُسمن ولا تُغني من جوع.

إسرائيل، التي تُمعن في انتهاك القانون الإنساني الدولي، تُمارس سياسة “الأرض المحروقة” في قطاع غزة والضفة الغربية بكل صلافة ووقاحة، مُتجاهلةً قرارات مجلس الأمن، وأوامر محكمة العدل الدولية، وكل المواثيق والعهود الدولية التي تحفظ كرامة الإنسان. غاراتها العشوائية، التي استهدفت اليوم بحزام ناري مكثف شمال القطاع وشرقه وجنوبه وشماله، أودت بحياة المئات، بينهم أطفال ونساء، في مشاهد مروعة تُعيد إلى الأذهان جرائم الحرب التي لا تُحصى. ومع كل قنبلة تُلقى، تُرسل إسرائيل رسالة واضحة لمن يهمه الأمر للقادة والمسؤولين في قمة بغداد : ” أنا فوق القانون، ولا أحد يستطيع إيقافي , ولا اهتم ببيانكم الختامي البائس” هذا الاستهتار ليس وليد اللحظة، بل هو سياسة ممنهجة تُكرسها إسرائيل بدعم مطلق من قوى الحكومات الغربية، تُغطي جرائمها وتُزودها بالسلاح لتُواصل إبادة شعب أعزل.

في المقابل، ماذا قدمت القمم العربية لغاية الآن ؟ سوى خطابات رنانة، ووعود بـ”دعم غزة” و”التبرع بالأموال” و”المطالبة بإنهاء الحرب” هذه العبارات، التي تتكرر في كل قمة أصبحت أسطوانة مشروخة , وكطقس روتيني بائس، أصبحت مادة للسخرية والتندر وإطلاق النكات في الشارع العربي. أين الإجراءات العملية؟ أين المواقف الجريئة الحازمة والصارمة؟ أين الضغط السياسي والاقتصادي الحقيقي على إسرائيل وحلفائها؟ الحكام العرب، بتمثيلهم الضعيف وخطاباتهم المكررة، يُرسلون رسالة مذلة للعقل الجمعي العربي مفادها : “نحن عاجزون، وكل ما نملكه هو بيانات الاستنكار” هذا العجز ليس مجرد تقصير، بل خيانة لدماء الشهداء ولآمال شعوب تتطلع إلى قيادات تملك الشجاعة لتغيير موازين القوى.

إن القمم العربية، بصورتها الحالية، ليست سوى مسرحيات هزلية تُقام لامتصاص غضب الشعوب، دون أن تُنتج فعلاً يُذكر وهذا ما ترجم من خلال تمثيل القادة العرب في قمة بغداد والذي لم يرتقِ إلى مستوى الطموح، وهذا ما كشفه تصريح المكتب الإعلامي للقمة قبل ساعات : ” كنا نتأمل أن يكون مستوى التمثيل في القمة العربية أفضل وبمستوى الطموح ” بل بدأ كمحاولة بائسة لإيهام العالم بأن هناك “موقفًا عربيًا موحدًا” أي وحدة هذه التي تكتفي بالشجب والتنديد، بينما إسرائيل تُواصل جرائمها دون رادع؟ أي قيادة هذه التي تخشى اتخاذ قرارات حاسمة مثل قطع العلاقات الدبلوماسية أو تعليق الاتفاقيات الاقتصادية مع حلفاء إسرائيل؟ إن هذا الخنوع يُكرس صورة العرب كأمة مستسلمة، تفتقر إلى الشجاعة وتُراهن على بيانات لا تُوقف قنبلة ولا تُعيد طفلاً إلى أمهه , وإن إرسال وزراء الخارجية بدلاً من القادة يُشبه إرسال رسالةً إلى أطفال غزة، الذين ينتظرون موتهم تحت الأنقاض، مفادها: “قضيتكم ليست أولويتنا”. أي قمةٍ هذه التي تُعقد في غياب صانعي القرار، بينما إسرائيل تُواصل تحديها السافر للقانون الدولي، مُكثفةً قصفها على القطاع في رسالةٍ موازية تُعلن فيها استهتارها بكل ما يصدر عن هذه التجمعات والقمم العربية ؟ إن هذا المشهد يُكرس صورةً مُذلةً للأمة العربية، كأنها عاجزةٌ عن توحيد صفها أو حتى إظهار الحد الأدنى من الجدية في مواجهة أزمةٍ إنسانيةٍ وسياسيةٍ بهذا الحجم.

إسرائيل ليست مجرد دولة تتحدى القانون الدولي، بل هي كيان يُمارس الإبادة بصورة ممنهجة كل يوم ، واثقةً من أن جميع دول العالم، وبما فيه القادة العرب، لن يتجاوز حدود “الإدانة , والاستنكار” هذا هو الموجود والمتوفر الذي اقصى ما يستطيعون الوصول إليه وهذا هو حقيقة الواقع المُرّ ليُطرح تساؤلاً مؤلمًا: هل أصبحت القمم العربية مجرد طقوس شكلية لإخفاء العجز؟ وكيف يُعقل أن تظل الأمة العربية، بثرواتها النفطية الخرافية وإمكاناتها الهائلة، تُبدّد تريليوناتها الخمسة في ليلةٍ واحدة، دون أن تُجبر الرئيس الأمريكي على إصدار قرارٍ صلب يُدين العدوان الغاشم على غزة، ويوقف الحرب فورًا، ويفتح أبواب المفاوضات، ويُدخل المساعدات الإنسانية؟! أليست هذه التريليونات الطائلة، التي تُسكب في خزائن الاقتصاد الأمريكي لإنعاشه، كفيلةً بفرض إرادةٍ عربيةٍ حاسمة؟! هذا الخنوع وهذا التفكير البائس هو ما يُحوّل الآخر إلى ذئبٍ متوحش، ينهش كل ما أمامه! وبدلاً من حبسه في قفصٍ أو القضاء على شره، نُطلق سراحه ليصول ويجول، يُؤدب الدول ويُمعن فيها قهرًا!، لتصبح رهينة لقرارات خارجية تُكبل إرادتها؟ إن استمرار هذا المشهد يُرسل رسالة خطيرة للأجيال القادمة: “إن إسرائيل فوق القانون، وإن القادة العرب لا يملكون سوى الكلام وعبارات الاستنكار ليس إلا “.

في الوقت الذي تدوي في شوارع باريس ولندن وجنيف وكوبنهاغن في هذا اليوم السبت بمظاهرات صاخبة تُطالب بوقف الإبادة الجماعية في قطاع غزة، تظل العواصم العربية غارقةً في سبات ، مكتفيةً بصمتٍ يُشبه صمت القبور. مواطنو العواصم الغربية، بكل جرأة وإنسانية، يرفعون أصواتهم نصرةً لفلسطين، مطالبين بإنهاء مسلسل القتل الذي يُزهق أرواح الأطفال والنساء في غزة، بينما تتوارى العواصم العربية خلف جدار من اللامبالاة، تاركةً أطفال غزة يصطفون في طوابير الموت، لا لانتظار رغيف خبز يسد جوعهم، بل لملاقاة قنبلة إسرائيلية تُنهي حياتهم بلا رحمة.

إن مشهد الآلاف في شوارع العواصم الأوربية، وهم يحملون الأعلام الفلسطينية ويهتفون ضد الجرائم الإسرائيلية، يُمثل صفعةً مدويةً للضمير العربي الغائب. هؤلاء المواطنون، الذين لا تربطهم بفلسطين رابطة دم أو دين، يُظهرون شجاعةً وإنسانيةً تفوق بمراحل تخاذل العواصم العربية التي تُفترض أنها الأقرب إلى القضية. أين هي القاهرة؟ أين الرياض؟ أين عمان وبيروت؟ لماذا تظل شوارعها خاليةً من صرخات الغضب، بينما تُسفك دماء الفلسطينيين تحت وابل القنابل؟ هذا الصمت ليس مجرد تقصير، بل هو تواطؤ ضمني يُكرس معاناة شعبٍ يُذبح على مرأى ومسمع من العالم.

لقد حان الوقت لكسر هذه الحلقة المفرغة. شعوب المنطقة لم تعد تثق بقمم تُنتج بيانات بالية، ولا بخطابات تُردد نفس الشعارات دون فعل. إذا كان الحكام العرب لا يملكون الجرأة لمواجهة إسرائيل، فليتركوا المجال لشعوبهم التي تملك الإرادة والشجاعة لتغيير المعادلة. إن دماء شهداء غزة، وآلام الجرحى، وصرخات الأطفال تحت الأنقاض، تستحق أكثر من بيانات استنكار. إنها تستحق فعلاً يُعيد للأمة كرامتها، ويُثبت أننا لسنا أمة تُهان وتُذل بلا رد.

كفى استهتارًا وبهرجة، كفى عجزًا، كفى بيانات لا تُوقف نزيف أطفال قطاع غزة وهم يصارعون الجوع والفقر والحرمان والعوز والمرض . إن لم تكن القمم العربية قادرة على تغيير الواقع، فلتُلغَ، فالصمت أشرف من كلام لا يُساوي ثمن الحبر الذي كُتب به، كفى التقاط صورًا تذكاريةً تُخفي العار. إن لم تكن القمم العربية قادرةً على جمع قادتها لمواجهة إبادةٍ تُرتكب أمام أعينهم، وليُعلنوا صراحةً أن الأمة تخلت عن غزة. أما شعوب العرب، فقد حان وقت استيقاظها لتُعيد تشكيل مصيرها بأيديها، بعيدًا عن قادةٍ يفضلون التصوير على الفعل، وكلام الاستنكار على شجاعة اتخاذ الفعل .

[email protected]

أحدث المقالات

أحدث المقالات