أثار تصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأن “إسرائيل هي من أطاحت ببشار الأسد” موجة من التساؤلات حول الأدوار المتشابكة في الأزمة السورية. وإذا كان هذا التصريح يعكس واقعاً– وهو يبدو كذلك- فهو يجبرنا على اعادة رسم مشهد الصراع الإقليمي بعيداً عن الشعارات التقليدية التي رفعتها أنظمة وقوى متعددة.
السؤال الأهم في سياق هذا التصريح اللافت: إذا كانت العملية ضد الأسد قد انطلقت من تركيا بدعم مباشر من الرئيس رجب طيب أردوغان وجهاز استخباراته، وبمشاركة مجموعات جهادية متعددة الجنسيات، فكيف يمكن فهم هذا “الدور الإسرائيلي” ضمن هذا الخليط من الفاعلين؟
وهل من المعقول أن تتلاقى مصالح أطراف يُفترض أنها متنافرة– إسرائيل، تركيا، والجماعات الجهادية – في هدف مشترك يتمثل بإسقاط النظام السوري؟
تزداد المفارقة تعقيداً حين نلاحظ أن الهجوم الذي اطاح بالأسد تزامن مع تهدئة جبهة جنوب لبنان بوقف إطلاق النار، وفتح جبهة اخرى، ما يشير إلى احتمال وجود تنسيق زمني مقصود بين تركيا ومن تدعمهم وبين اسرائيل.
كما أن تدخل الطائرات الإسرائيلية لمنع الدعم الجوي الإيراني للأسد، وإجبارطائرات ايران التي جاءت لنجدة بشار على مغادرة الأجواء السورية، يكشف عن قرار اسرائيلي استراتيجي بإفراغ السماء لصالح الفصائل المهاجمة.
اذن ولفهم ما جرى، لا بد من إعادة قراءة الأدوار بشكل مغاير. فشخص مثل أبي محمد الجولاني، زعيم هيئة تحرير الشام، تحوّل من قيادي في تنظيم القاعدة إلى فاعل محلي مدعوم تركياً، يمضي بخطى واثقة نحو دمشق في توقيت بالغ الحساسية.
فهل كان ذلك جزءاً من خطة أوسع تضمنت تنسيقاً غير معلن بين أنقرة وتل أبيب؟ وهل كانت تركيا، التي ترفع لواء دعم القضية الفلسطينية، تسهّل عمليات تصب فعلياً في خدمة الأجندة الإسرائيلية؟
تصريحات نتنياهو، تضع تركيا في زاوية حرجة، وتلمّح إلى تفاهمات خفية قد تتجاوز الملف السوري، وربما تندرج في إطار مشروع أوسع لإعادة تقاسم النفوذ في المنطقة بمشاركة بعض القوى الدولية والعربية.
فالوضع في دول مثل لبنان والعراق والأردن واليمن – التي تعاني من أزمات اقتصادية وضغوط أمنية حادة – يجعلها أهدافاً محتملة للمرحلة المقبلة من هذه الخطة، التي يبدو أن تفاصيلها وُضعت على طاولة الأقوياء دون مشاركة شعوب المنطقة أو حتى أنظمتها.
هذه التداعيات تعيدنا إلى غزة، حيث لا تزال حادثة 7 أكتوبر، التي شنت خلالها حماس هجوماً غير مسبوق على المستوطنات الإسرائيلية، تثير التساؤلات!
هل كانت عملية اكتوبر مفاجأة خالصة خططت لها حماس، أم فخاً محكماً نصبته إسرائيل؟ فسرعة الرد الإسرائيلي، وامتداده إلى اغتيالات وهجمات في لبنان وسوريا، تكشف عن جاهزية يصعب تفسيرها على أنها رد فعل عفوي.
من هنا تنبع الفرضية الأخطر: أن إسرائيل ربما استدرجت حماس وحزب الله إلى معركة مدروسة، هدفت إلى تحجيمهما وضرب البنية التحتية لمحور المقاومة بأكمله، من طهران إلى بيروت مروراً بدمشق وغزة.
وفي هذا السياق، تبدو تصريحات نتنياهو جزءاً من سردية جديدة تسعى إسرائيل إلى فرضها على الواقع الإقليمي تشير فيها الى انها اللاعب الأساسي القادر على اعادة رسم خرائط المنطقة وتشكيل الشرق الأوسط وفقاً لمصالحها الاستراتيجية .
وهذا يعني ان الخطة الإسرائيلية لن تقف عند حدود ما تحقق، بل ربما كان ذلكهو مجرد بداية لمرحلة جديدة من أحداث جسيمة.
وقد تشمل هذه الاحداث العراق وربما دولاً عربية أخرى. والمؤشرات، سواء من تصريحات نتنياهو أو من التحركات الميدانية، تشير إلى أن المشروع الإسرائيلي لا يزال في بدايته.