رغم أن معظم الدساتير العربية تفتتح بنصوص صريحة تكفل حرية الرأي والتعبير، إلا أن الواقع يضعنا أمام حقيقة أخرى. “حرية الصحافة” تحوّلت إلى شعار فضفاض، ترفعه الحكومات في المؤتمرات الدولية وتخنقه في الشوارع وأروقة المحاكم. في العراق مثلاً، الصحفي ليس مجرد ناقل للخبر، بل مشروع متهم جاهز للإدانة.
يعاني الصحفيون من بيئة عدائية تتعدد فيها أشكال التهديد: من الضغوط الأمنية، إلى الدعاوى الكيدية، إلى الاعتداء الجسدي بل والاغتيال أحياناً. القانون، بدلاً من أن يكون حماية، أصبح سيفاً مسلطاً، إذ تتضمن بعض التشريعات عبارات مطاطة مثل “إهانة رموز الدولة” أو “المساس بالوحدة الوطنية”، مما يتيح للسلطات تأويلها بحسب المزاج السياسي.
في العراق، ورغم وجود قانون حقوق الصحفيين منذ عام 2011، إلا أن معظم الاعتداءات على الصحفيين تنتهي بـ “ضد مجهول”، وتبقى المساءلة غائبة، في حين تكثر الاستدعاءات إلى القضاء بتهم تتعلق بالنشر.
ان تحزّب أغلب المؤسسات الإعلامية، وارتباطها بممولين سياسيين، جعل الصحافة في كثير من الأحيان جزءاً من ماكينة الدعاية، لا منبرا للحقيقة. أما الصحفيون المستقلون، فهم بين نارين: قلة الدعم، وكثرة الاستهداف.
فما الحل؟ كيف يمكن للصحفي أن يكتب الحقيقة كما هي؟
1.لا بد من مراجعة القوانين التي تنظم العمل الصحفي، وتنقيحها من البنود الفضفاضة التي تُستخدم لقمع الحريات.
- دعم النقابات واحترام استقلاليتها وتمكينها من حماية الصحفي، لا تتواطأ ضده، وتوفر له الدعم القانوني عند الحاجة.
3.على المؤسسات الإعلامية أن تضع المهنية فوق الولاءات، وتوفر تدريبات مستمرة للصحفيين في التحقق، والسلامة الرقمية، والأمان الشخصي.
- حماية دولية وضغط أممي: لا يمكن الاكتفاء بالبيانات، بل ينبغي ربط دعم الدول والمنظمات للحكومات العربية بسجلها في حرية الإعلام.
- الصحفي الحقيقي ليس من يصرخ، بل من يعرف متى وكيف يكتب، ومن يحمي نفسه بالوثيقة والدليل، ويخاطب جمهوره بعقل لا بعاطفة.
الصحافة الحرة ليست ترفاً، بل ركيزة لأي نظام ديمقراطي حقيقي. حين يُقمع الصحفي، تسقط أول قطعة دومينو في طريق إسكات المجتمع بأكمله. وعلى الحكومات أن تدرك أن صوت الحقيقة، وإن خفت، لا يموت. وعلى الصحفيين أن يدركوا أن المهنة لم تكن يوماً نزهة، بل مسؤولية ثقيلة، لكنها سامية.