في خضم التحضيرات الجارية لعقد القمة العربية المرتقبة في بغداد تبرز مواقف مشروطة من بعض الدول الخليجية والعربية تكشف بوضوح حجم التدخلات التي ما زالت تحاصر القرار الوطني العراقي لقد أصبح واضحاً أن هناك من لا يزال يتعامل مع العراق كدولة خاضعة لا كدولة ذات سيادة ويريد فرض أجنداته السياسية والقضائية مقابل حضور بروتوكولي لمناسبة عربية لا يتجاوز أثرها حدود الصور والكلمات المنمقة من أبرز هذه الشروط ما طُرح بشأن قرار المحكمة الاتحادية العليا ببطلان الاتفاقية الموقعة عام الفين وثلاثة عشر بين وزارة النقل العراقية والجانب الكويتي وهي اتفاقية شابها الكثير من الجدل آنذاك ولم تمر عبر المسار الدستوري السليم وقد حُسم أمرها قضائيًا واليوم نجد من يطالب بإلغاء هذا القرار كشرط للمشاركة في القمة وهذا يُعد تدخلاً سافراً في شأن قضائي داخلي لا يجوز المساس به وفي السياق ذاته تضع بعض الدول العربية مشاركتها مشروطة بموقف العراق من عودة سوريا إلى الجامعة العربية وكأن بغداد تحولت إلى ساحة مساومات لا عاصمة لدولة حرة ذات مؤسسات دستورية إن السيادة الوطنية لا تُستعار ولا تُستبدل بمواقف مؤقتة والعراق الذي عانى كثيراً من التدخلات الخارجية لا يمكنه أن يعيد تكرار التجربة نفسها بذريعة الانفتاح أو استرضاء بعض العواصم القرار الوطني العراقي يجب أن ينبع من إرادة الشعب ومصالح الدولة لا من اشتراطات السياسة الإقليمية والكرامة الوطنية لا يجوز التنازل عنها مقابل مشاركة في مؤتمر لا يغيّر من الواقع العربي المأزوم شيئاً لقد عُقدت عشرات القمم العربية منذ تأسيس الجامعة وكانت حبلى بالوعود خاوية في التنفيذ لم تُحرر القمم شبراً من فلسطين ولم تُوقف نزيف الدم في سوريا واليمن ولم توحد الموقف العربي في أي قضية مصيرية فكيف نتوقع أن تثمر قمة تُراد لها أن تُعقد في بغداد بشروط وقيود تفرض على البلد المضيف العراق ليس ساحة اختبار للنيات العربية وليس منصة للتفاوض على حساب سيادته بل هو دولة ذات تاريخ عميق وسيادة كاملة ولذلك نقولها بكل صراحة العراق وحدوده وسيادته أهم من كل القرارات العربية ذات المضمون الفارغ فالدول لا تُقاس بعدد المؤتمرات التي تستضيفها بل بمدى تمسكها بمبادئها وكرامتها الوطنية القمم تنتهي ولكن التفريط بالسيادة يبقى ندبة لا تلتئم في جسد الوطن وعلى القيادة العراقية أن تدرك أن من يرضى بالتنازل اليوم سيدفع ثمنه غداً باهظاً لهذا يجب أن يكون موقف بغداد واضحاً لا قمة على حساب السيادة ولا إجماعاً عربياً يعلو فوق الدستور العراقي أو يتجاوز إرادة الشعب ومن يتوهم أن القمم العربية قادرة على صناعة التغيير فهو ينفخ في بالون مثقوب العرب اليوم يعيشون على هامش التاريخ ليس لهم حضور حضاري أو تأثير إنساني وأغلب بلدانهم مرتهنة وتابعة ومحكومة من الخارج والقرارات الكبرى لا تصدر من عواصمهم بل تصل إليهم من الدول الكبرى التي ترعى حكامهم وتوجّه سياساتهم غزة تُذبح كل يوم أمام أنظار العالم واليمن وسوريا ما زالتا تنزفان والقادم أسوأ على الشعوب العربية والأدهى من ذلك أن هذا الخراب يتم بأموال عربية وتأييد عربي وصمت رسمي مخجل من الأنظمة التي فقدت إحساسها بالكرامة والواجب أنا شخصياً لست متفائلاً بهذه القمة ولا بأي قمة قادمة العراق يجب أن يتمسك بسيادته الوطنية ويحمي قراره الحر فهي الأساس والبقاء لها وسيسجل التاريخ كل من يفرط بشبر من أرض العراق بحراً أو براً ولن يرحم أبداً من باع الكرامة مقابل المجاملات أو الرضا العابر
كتب ببغداد
١ مايس ٢٠٢٥