إن إهمال التعليم يشكل خطراً بالغاً على مستقبل الأجيال، ولا يتوقف أثره عند حدود ضعف التحصيل العلمي، بل يتعداه إلى إضعاف بناء الإنسان ذاته. فعندما تغيب البيئة الصالحة للتعلم، يغيب معها الأمل في صناعة جيل قادر على النهوض وبناء مجتمع منتج ومستنير.إن البنية التحتية للمدارس، حين تكون ضعيفة ومتهالكة، لا تبعث فقط برسائل سلبية للطلبة، بل تخلق بيئة طاردة تُطفئ روح التركيز وتخنق الإبداع. والمؤلم أن غياب الدعم الحقيقي للمعلم، مادياً ومعنوياً، يجعله يؤدي رسالته بلا شغف أو تطور، وهو ما ينعكس بشكل مباشر على مستوى الطالب وسلوكه وتطلعاته.
القرطاسية واللوازم الدراسية ليست ترفاً، بل ضرورة تربوية ونفسية، تمنح الطالب إحساساً بالاهتمام وتدفعه للانخراط في عملية التعلم. أما حين تنعدم، فإن الفجوة بين الطلبة تتسع، ويشعر كثيرون بالتهميش والإهمال.
إن إهمال التعليم هو إهمال للمستقبل، وهو ما لا ينتج عنه سوى الضعف، والانحدار، وانتشار البطالة، والجهل، والتطرف. ولا يمكن لأي مجتمع أن ينهض دون أن يكون التعليم أولوية وطنية شاملة تتجاوز الشعارات إلى الخطط الفعلية.وكان الأجدر بالحكومات المتعاقبة، أن تضع التعليم في صدارة اهتمامها، وأن تضع خططاً متكاملة لبناء المدارس وتأهيلها بما يتناسب مع النمو السكاني، خصوصاً في جنوب العراق، حيث يعاني هذا القطاع من إهمال يكاد يكون مقصوداً. وكأن هناك مشروعاً خفياً لنشر الجهل والتخلف ليسهل توجيه الأجيال واستغلالها ضمن مخطط مرسوم.أبناء الجنوب وضعهم الاقتصادي بالغ الصعوبة، ويحتاجون إلى دعم مالي مباشر في مجال التعليم، عبر إنشاء مجمعات سكنية مدعومة للمعلمين، وتحسين المستوى المعيشي لهم، وفتح دورات تطوير وتأهيل لسد العجز الحاصل في الكوادر التربوية.
أنا شخصياً أؤمن أن المعلم هو العنوان الأول للحضارة، وهو بوابة المجد والارتقاء الإنساني. لا طبيب ولا ضابط ولا مهندس ولا مفكر يولد من فراغ، بل كلهم خرجوا من تحت يد معلم. إن المعلم ليس مجرد موظف، بل هو مصنع حضاري يصوغ العقول ويبني الإنسان.المدرسة ليست جدراناً ومقاعد، بل هي مصنع الحياة، وهي الجذوة الأولى التي تضيء طريق الأمم. ورحم الله معلمينا الأفاضل، الذين أمسكوا بأيدينا ونحن صغار، وعلمونا كيف نكتب ونحلم، وفتحوا لنا نوافذ الحياة وآفاق الأمل.