رمضان بين الماضي والحاضر

رمضان بين الماضي والحاضر

المقالة الرابعة والعشرون…

بعد أن تحدثنا في المقالات السابقة عن شهر رمضان الكريم في الماضي في المدن والقرى والأرياف، والعادات والتقاليد التي يتبعها الناس عند صيام هذا الشهر المبارك، وطريقة الأعداد لوجبة الإفطار والسحور، اليوم سوف نتحدث عن هذا الشهر المبارك في هذا الزمان الذي نعيشه وعن التطورات التي حصلت في الأوضاع الاقتصادية لعموم المناطق العراقية سواء كانت في الريف أو في المدينة. اليوم، ابن الريف أصبح يعيش حياة عصرية مختلفة جذريًا عما كان يعيشها أجداده قبل 40 أو 50 سنة، وأصبحت القرية مدينة مصغرة يسكنها مجموعة كبيرة من الناس، وليس كما كانت في السابق. فالقرية التي كنا نعيش فيها في ستينات وسبعينات القرن الماضي والتي لم يكن يتجاوز عدد مساكنها العشرين أو الثلاثين مسكنًا، أصبحت اليوم تحتوي على عشرات المساكن، وبعض القرى المجاورة تجاوزت المئات من الدور السكنية، وأصبحت أعداد السكان تمثل أضعافًا مضاعفة للذين كانوا يسكنون في تلك القرى والأرياف قبل 50 أو 60 سنة. وهكذا هي مجريات الحياة، وهكذا هي متغيرات الأحداث تسير وفق مفهوم الانفجار السكاني الجديد، وكذلك التطور الذي حصلت عليه القرية أسوة بالمدينة بعد العصرنة التكنولوجية الحديثة وبعد التغيير الانفجاري في الوضع الاقتصادي لعموم أبناء العراق.

لقد أصبح اليوم ابن الريف يمارس حياته الطبيعية في وظيفته وعمله الذي يجلب له راتبًا شهريًا يستطيع أن يعيش من خلاله حياة متوسطة، ربما فوق الجيدة أحيانًا، وأصبح كل أبناء القرى يبحثون عن السكن الملائم لهم ولعوائلهم، ولم يعد لمفهوم البيوت الطينية أي وجود، فلقد انتهى عصر الطين ودخلت بدلاً منه المواد الإنشائية الجديدة في البناء مثل الأسمنت والحديد، إضافة إلى كل أمور البناء الأخرى. وقد توفرت كل وسائل الراحة في ذلك البناء، وأصبحت وسائل الراحة موجودة لدى المنزل الريفي أسوة بما هو موجود في منزل ابن المدينة. وهكذا تجد أن العادات والتقاليد التي كانت موجودة في السابق والتي يحكمها الظرف الاقتصادي قد اختلفت تمامًا في يومنا هذا، وأصبح ابن الريف يعيش نفس الحياة تقريبًا التي يعيشها ابن المدينة. وسوف نتطرق في المقالات المقبلة إلى التفاصيل الدقيقة للحياة والطقوس الرمضانية اليوم في القرية، ونتحدث عن الاختلاف الكبير عما كان موجودًا في الماضي وما يعيشونه اليوم من حياة مترفة ومرفهة، وبعيدين عن الحرمان الذي كان يعانيه أهلهم وأقاربهم. وأصبحت حياتهم الريفية حياة حضرية تمامًا، ولا يميزها عن المدينة سوى الموقع الجغرافي، أما باقي الخدمات والنظام السكني فإنها نفس الطراز العمراني في المدينة. وإلى مقالة جديدة أخرى، ورمضان كريم…