رمضان بين الماضي والحاضر..المقالة الخامسة

رمضان بين الماضي والحاضر..المقالة الخامسة

في هذه المقالة، سنتحدث عن المأكولات الرئيسية التي كانت حاضرة في وجبة الإفطار في ذلك الزمان، في القرى الواقعة في منطقة جنوب الموصل ضمن محافظة نينوى. كانت شوربة العدس وجبة ترافق المأكولات البسيطة الموجودة على المائدة في أغلب أيام شهر رمضان المبارك، ولكن طريقة إعدادها لم تكن كما هي في زماننا الحالي، فقد كانت بعيدة جداً عن الخلاط الكهربائي، وتجد حبات العدس أكثر صلابة في تلك الشوربة. كما تجد فيها طعم البصل المحروق الذي تم وضعه مع السمن، والذي كنا نسميه باللهجة العامية “الگفره”. وكنا عادة ما نأكلها بطريقة ثرد الخبز ووضع مادة شوربة العدس فوقها، وهذه الطريقة تشبه طريقة التشريب الموجودة حالياً في المطاعم والبيوت.
هناك مادة غذائية أخرى كانت تتواجد على موائد الإفطار في شهر رمضان وهي مادة القيسي، التي لها تسميات أخرى في مناطق من العراق، فهناك من يطلق عليها اسم الطرشانة وهناك من يطلق عليها اسم ((النگوع)) هذه الأكلة اللذيذة تعتبر الحلقة الوسطى بين مادة الطبخ وطعم الحلويات. وكنا نشاهد أن أغلب العوائل في القرية عندما يقومون بشراء تجهيزات شهر رمضان، فإن مادة القيسي والعدس تكون من ضمن الوجبات الرئيسية، مثلها مثل مادة التمر الذي كان يأتي إلينا من باعة متجولين يأتون من جنوب العراق ويبيعونه بعبوات مصنوعة من السعف وتسمى الخصافه، التي تحتوي على ما يقارب 20 كيلو من مادة التمر، والتي كانت تعتبر الوجبة الرئيسية والأساسية من الحلويات في القرى والأرياف لأنها تتواجد في البيوت على مدار أيام السنة تقريباً، وكان حضورها في رمضان ضرورياً وما زالت إلى يومنا هذا تتواجد في موائد الإفطار رغم اختلاف طرق التعليب والنوعيات الكثيرة التي لم نكن نعرفها في ذلك الزمان.
كانت بعض العوائل لا تستطيع شراء هذه المواد من أسواق المدينة، التي يذهبون إليها مرة واحدة أو مرتين في السنة، فتجد وجبات الإفطار في رمضان تعتمد على مشتقات الحنطة فقط كالبرغل أو الحبية أو الرشدة، والتي يقومون بصناعتها وإعدادها بطريقة محلية داخل منازلهم. وكانت أغلب العوائل تعتمد في بعض وجباتها الغذائية أحياناً على وجبة غذائية بسيطة جداً تقوم بعملها ربات البيوت من الماء والبصل والدهن والملح فقط، وتسمى المبصلية، وقد كنا نأكلها بشهية خاصة بعد أن نمر في مرحلة الجوع الذي لا يرحم كبيراً أو صغيراً.
هكذا كان الصيام وهكذا كانت وجبات الإفطار، ورغم بساطتها إلا أننا كنا نشعر بأنها وجبات ذات طعم خاص، وكان مذاقها لذيذاً جداً.
وإلى مقالة قادمة أخرى، رمضان كريم.