رمضان بين الماضي والحاضر الحلقة الرابعة

رمضان بين الماضي والحاضر الحلقة الرابعة

كنا نجتمع قبل الغروب، أنا ومجموعة من الأصدقاء، بالقرب من بيت المؤذن في قريتنا، الذي كان يرفع الأذان من بيته دون استخدام أي وسائل إلكترونية مثل مكبرات الصوت أو غيرها، بل كان الأذان بصوته الجهوري فقط. وما إن يطلق كلمات “الله أكبر الله أكبر” حتى نركض مسرعين إلى بيوتنا، وفرحة الإفطار ترافقنا دون شعور.
كانت لهفتنا إلى شرب الماء أو طاسة الشنينة هي أول ما نبدأ به في وجبة الإفطار. وكانت الأمهات تَعِدُ لعوائلها تلك الوجبة من خلال مطبخها البسيط المبني من الطين، ولا يوجد فيه أي شيء من وسائل البناء المعماري الحديث، ولا تعرف تلك النساء أي شيء عن السيراميك والديكور الموجود في مطابخنا الحديثة. وكانت أدوات الطبخ البسيطة الموجودة في المطابخ لا تتعدى مدفأة تعمل على النفط الأبيض أو طباخ غازي ذو مشعل واحد أو ربما مشعلين…..
وفي اغلب الاحيان تكون وجبات الأكل لتلك العوائل مكونة من مادة التمن أي الرز أو مادة البرغل، يرافقها قليل من مرقة المعجون أو مرقة بيضاء تصنع من الماء والبصل.
وكنا نتناول وجبة اللحوم في هذا الشهر المبارك لعدة مرات، خاصة عندما تكون هناك وليمة يقيمها أحد أهالي القرية ليدعو فبها جميع الرجال الكبار في السن والشباب إلى تلك الوليمة، والغاية منها هي وجبة إفطار تعود عليها أبناء القرى والأرياف في شهر رمضان المبارك وتعتبر نوعًا من صلة الأرحام فيما بينهم…
وكنا أيضًا نتناول في بيوتنا في بعض الأيام الرمضانية وجبة من اللحوم البيضاء كوننا نمتلك طيور الدجاج في بيوتنا ونقوم بذبحها وطبخها كوجبة إفطار للعائلة وربما يكون تحضيرها ايضاً عندما يأتي ضيف الى العائلة من خارج القرية….
كان قوري الشاي بعد وجبة الإفطار يعتبر من المكملات لتلك الوجبة، وكما هو معروف بشكل عام لدى العراقيين أنهم من عشاق شرب الشاي في كل فصول السنة، ولذلك تجد أن إعداده يجب أن يكون مباشرة بعد نهاية وجبة الإفطار، وتجد العائلة كلها مجتمعة لتناول استكان الشاي بنكهاتها المعروفة لدى العوائل العراقية. وكان الأشخاص الذين يدخنون السجائر هم من أشد المطالبين بتناول استكان الشاي بعد الفطور مباشرة.
لم يكن في ذلك العهد أي نوع من أنواع ما يسمى بالعصائر أو الشراب المتعدد ألوانه وأطعامه الموجود في وقتنا الحاضر.
هكذا كنا نعيش في تلك الليالي الرمضانية المباركة، وكنا نشعر بفرح شديد ونحن نجلس مع عوائلنا على وجبة الإفطار.
وإلى حلقة أخرى قادمة… رمضان كريم….