بدون شك عندما نحلل فإننا نضع الحقيقة كما نراها في الواقع وردود الفعل، ولسنا نعبر عن مشاعر شخصية حبا أو كراهية، والمقال ليس لتبيان موقف صداقة أو عداء وإنما قراءة لمن يهمه الأمر.
تصريحات
قبل أيام صرح بيت هيغسيث وزير دفاع ترامب أن المدنية الغربية ليست إلا الصهيونية والأمركة وهذا تجاوز لتعريف المدنية فلا يوجد مدنية غربية وشرقية فالمدنية هي جهد بشري لا يمكن حصرها بايدلوجية كالصهيونية أوجغرافية كأمريكا والتنبيه لهذه الحقيقة لتعدد مواطن يعتبرها الغرب والشرق مدعاة للإحباط فقد نشرت صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية مقالا للصحفي جدعون رتاتشمان، قال فيه: “عندما صعد جيه دي فانس على المنصة في مؤتمر ميونيخ للأمن، الأسبوع الماضي، أصدر تحذيرا صارما. إذ قال نائب الرئيس الأمريكي، للسياسيين والدبلوماسيين المجتمعين إن حرية التعبير والديمقراطية تتعرضان للهجوم من قِبَل النخب الأوروبية“. واستطرد “إن الحكم الأكثر إيجابية الذي سمعه بشأن الخطاب هو أنه “هراء صبياني”، لكنه يستهدف جمهورا أمريكيا، وبالتالي يمكن تجاهله بأمان. ولكن إذا ما فكّكنا خطاب فانس، ووضعناه في سياق قرار دونالد ترامب بالتعامل مع فلاديمير بوتين، مع تهميش أوكرانيا وأوروبا، فسوف يتضح لنا أن الحروب الثقافية الأمريكية والأمن الدولي والسياسة الأوروبية لم يعد من الممكن فصلها” وهذا الكلام على مقياس الزلازل عالي القيمة في تباعد الصفائح.
صراع وجودي وفق نظرة بنيامين فرانكلين:
بنيامين فرانكلين هو من الإباء المؤسسين حذر من وضع قائم اليوم وفق زعم تشارلز كوتسورث بينكني (رفض معهد فرانكلين ادعاءات بينكني أن المعهد يملك نسخة مخطوطة من الخطاب) بنيامين فرانكلين لو كان موجودا الآن لاتهم بمعاداته للسامية، فأمريكا في خطر إذن بانت معالمه.
التناقض المنطقي في عرض المدنية من وزير الدفاع:
عندما عرّف وزير الدفاع الأمريكي المدنية الغربية أنها الصهيونية والأمركة، فهو حصر الليبرالية كآلية في توصيف كآلية عنصرية وايدلوجية لا تتحمله الليبراليةمثلا كجزء من آليات حماية المدنية الرأسمالية، فالليبرالية بأنواعها وما يمكن أن تتطور إليه ليست ايدلوجيا كما المدنية ككل وإنما هي تعريف لواقع في مجتمع ما تكون الحرية فيه وفق ثقافته أو ما يتقبله، أما أن احصرها بالصهيونية والأمركة فهذا تطرف لا يتفق مع منطق الليبرالية وقبولها للآخر، كما انه يضع دعاة الليبرالية في حرج، فهم ليسوا مقبولين في أوطانهم خشية انطباق التعريف عليهم وليسوا مقبولين ممن يتبنى هذا التوصيف إن لم يكونوا من الصهيونية والأمركة.
دون شك انه يطرح تلبسا للفكرة الصهيونية والتي لا تتفق مع الأمركة كتطور مدني والتي هي الأخرى بلا توصيفٍ أو حدود أو تعريف لماهية بغير تعريف للمدنيةالمعروف أو حقوق الإنسان، والصهاينة ابدو وحشية وتخلف بالإبادة وجرائم الحرب على الملأ وليس من احد يتفق أو يقبل معاملة شاذة كالتي عومل بها الفلسطينيونوما زالوا في غزة أو الضفة أو الأسرى في السجون، هذا لا يتفق مع التمدن والليبرالية منها والتمسح بها فانتحالها له خطورة كبرى وتحويل المدنية إلى أيديولوجيا تجعلها خاوية وكذبة كبيرة أما ملئها بأفكار أيدولوجيات متطرفة كالصهيونية التي تبيح كل المحرمات وهدر الكرامة الإنسانية لأعدائها وأملاكهم ونمط حياتهموقد تشمل أمريكا يوما ما ولن تبقى الأمركة عنصرا، فلا شيء في أمريكا يميزها إلا التطور المدني والتقدم العالي في الصناعات الثقيلة والحربية بالذات فان تدهورت المدنية وما تزعمه من نمط للحياة فقد انتهت ما يمكن تسميتها بالأمركة وهذا امر محتمل مع تعاظم الصهيونية في السلطة الأمريكية وما زلنا في نبوءة فرانكلين.
مجلس الأمن وضرورة اتخاذ موقف:
والحقيقة أن ما طرح في خطابه هو الفكر الصهيوني العدمي الذي لا يقبل الآخر ولا يتمنى الصلاح لمن يخالفه أن سلمنا جدلا بصلاحه بل يتمنى له الموت والاختفاء والاستئصال للمخالف وهذا خطير جدا عندما يحمل هذا الفكر وزير دفاع لأقوى دولة في العالم، لذا فلابد أن يأخذ مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة إجراءً احترازياً في تعريف الأهلية للولايات المتحدة وقراءة تنبيه تجتمع عليه الدول في اتخاذ القرار والمراجعة، إن الأمر جد وخطير والتراجع عنه هو خير ما تفعله الولايات المتحدة مع تعديل سياستها وفق مصالحا وليست أيدولوجياتاسطورية تعيش لضعف الآخر ضمن دورة التاريخ.
نصيحة قبل الانحدار:
إن من يتولى القيادة في أمريكا قد يكونون متفوقين في مهنهم السابقة، لكن من الواضح أن هنالك فراغ إداري كبير وفراغ أعظم في القيادة الإدارية، وان أمريكا المتوازنة والتي تستطيع إعادة التوازن حول العالم هي المطلوبة وليست أمريكا التي تعادي الغرب والشرق وتظن أن لها القدرة على جلب اوربا للاذعان لها أو الوقوف بوجه الصين لإخضاعها، روسيا استراتيجيا لم تحارب إلا من اجل المنفذ على البحر الأسود وان لا يقترب الأطلسي من حدودها أي تبقى أوكرانيا ومن على حدود بلاروسيا خارج نطاق الأطلسي، وهي ستحقق هذا بخطوات.
مصالح الولايات المتحدة لابد ان يعاد النظر في حضانتها والجواب على سؤال أهمية المصالح واولويتها وهي تتقدم للمنطقة كعدو ضد قيمها وحياتها ومستقبلها وهو ما لايمكن تجاهله في نبرة وزير الدفاع الأمريكي.
إن أمركة أمريكا معروضة كنموذج، لكن الأمركة كمدنية مع الصهيونية كأيديولوجيا سياسية معادية للمسلمين والعرب ليست فكرة طرحها بهذا الولاء إلا مجافاة للتمكين، كذلك ما طرح بشأن الدول الغربية وتجاوز الوزراء الأمريكيين الخط الأحمر وتأييد رئيس الولايات المتحدة الأمريكية لهذا.