9 فبراير، 2025 6:06 ص

بين حكم المعدان وحكم الطائفيين!

بين حكم المعدان وحكم الطائفيين!

في صباحٍ من صباحات عشرينيات القرن الماضي، الحارّة، بدأ العراق يتشكل كدولة جديدة. لم يكن ذلك بالنسبة للجميع لحظةً من لحظات الفرح والتفاؤل. فبالنسبة للشيعة، كانت بداية رحلة طويلة من التهميش والإقصاء والعذابات.

رغم أنهم كانوا يشكلون الأغلبية العددية في البلاد، إلا أنهم وجدوا أنفسهم على هوامش السلطة. قبل إعلان العراق دولة من قبل بريطانيا المنتصرة في حربها على الدولة العثمانية، أشعل الشيعة شرارة ثورة عارمة شارك فيها كبار علمائهم.

كان ذلك مؤشرًا على عمق التصاق الشيعة بالأرض وحرصهم على الاستقلال. لكن البريطانيين أدركوا لحظتها أن وجودهم في العراق كدولة مهيمنة لا ينسجم مع وجود الشيعة كقوة فاعلة.

في تلك الفترة، كانت بريطانيا وعن طريق مبعوثيها وجواسيسها ومن بينهم المسزز بيل تدرس بعناية طبيعة شعوب المنطقة وثقافاتهم.

وبعد الثورة التي قادها الشيعة، ورفضهم الاعتراف بالاحتلال البريطاني وتأييده، بات مؤكدًا لدى البريطانيين أن الشيعة يرفضون الهيمنة الأجنبية ولا يمكن التعامل معهم، وهذا الموقف كلف الشيعة كثيرا لاحقا.

اتُّخذ القرار في بريطانيا بإبعاد الشيعة عن مراكز السلطةوتهميشهم. وكان لابد من حل معضلة اختيار حاكم يكون مقبولا من عامة العراقيين وفي مقدمتهم الشيعة.

وبدهاء المسزز بيل التي خبرت العراق سنوات عديدة وعرفت طبيعة مواطنيه وخصوصا الشيعة اوصت باستيراد ملك للعراق، يكون بمثابة خلطة مذهبية غريبة، فكان فيصل بن الحسين.

الشيعة يقدسّون آل بيت النبي ومجرد سماعهم أن هذا الشخص ينحدر من سلالة الرسول سيقبلون به دون تردد.

ولكن ماذا عن السنة؟ وهل سيقبلون بحاكم على غير مذهبهم؟

اذن لابد ان يكون الملك على المذهب السني! وبهذا يكون مقبولا من الشيعة والسنة. لكنه في النهاية سيكون رجل بريطانيا في العراق.

وفعلا وصل الملك المُركّب إلى العرش، وبدأ تهميش الشيعة بشكلٍ منهجي وبُنيت الدولة العراقية على أسس طائفية تستبعد الشيعة من الحكم.

ولكن لابد من مبررات لهذا التهميش والاقصاء. فكان الطعن في وطنية وانتماء الشيعة تُهم جاهزة تُرفع بوجه الشيعة كلما رفعوا صوتهم مطالبين بالعدالة الوطنية والإنسانية.

كان حلفاء بريطانيا المحليون يستمتعون بممارسة السلطة دون منافس. وفي مقابل ذلك كان الشيعة يدفعون اثمانا باهظة جراء سياسة التهميش التي توارثتها الحكومات منذ تأسيس الدولة العراقية الى سقوط آخر حكم طائفي في 2003.

طعن حكام العراق خلال هذا التاريخ بأصول الشيعة وأنسابهم، وولائهم، وإن أحسنوا الظن بهم، قالوا إن الشيعة “ليسوا أهلًا للحكم“.

ولم يشارك الشيعة في حكم العراق منذ تأسيسه حتى سقوط آخر نظام طائفي فيه، ومع ذلك فإن من يصفون أنفسهم بأنهم “رجال دولة وحكم” عبثوا بالبلاد وأشاعوا فيها التخلف والفقر والموت. وحولوا العراق إلى سجن كبير يشيع فيه القمع والتهميش ويُدفنفيه البشر أحياء في مقابر جماعية.

وخاضوا حروبًا عبثية كلها خاسرة وتنازلوا عن أجزاء من أرض العراق لدول الجوار وثم سلموا البلد للمحتل.

والمفارقة المحزنة أن سياسيين محسوبين على السنة في العراق ما زالوا يرددون ما كانت تردده الحكومات قبل 2003 من اتهامات بحق الشيعة.

في نظرهم أن الشيعة هم “معدان” و”عتاكة” لا يصلحون للحكم. مع انهم يتمتعون بامتيازات ومناصب في ظل ما يسمونه حكم المعدان.

يركبون السيارات الفارهة ويقبضون الملايين ويشيدون القصور في العراق وخارجه ولهم أفواج من الحمايات، ونسوا أنهم في زمن صدام، إما كانوا باعة للدهن الحر أو مفوضي أمن وبعضهم كان حارسًا في حقول حسين كامل للعجول.

في ظل عقلية هؤلاء ومؤيديهم يُطرح سؤال عن حال الشيعة، فيما لو تمكن هؤلاء الساسة الطائفيون من التفرد مجددًا بحكم العراق؟

لا شك أن حملة إبادة ضد الشيعة ستكون متوقعة، ولن تقل شراسة عن حملة الإبادة التي يشنها الجولاني ضد العلويين في سوريا.

من هنا، يتوجب على الساسة الشيعة ومواطنيهم على حد سواء أن يدركوا أن تراجعهم عن المشهد السياسي وترك الساحة لهؤلاء الطائفيين ستكون له نتائج مدمرة.

والمطلوب أن يتصالح الساسة الشيعة مع جمهورهم، وأن يقدمواأنفسهم للغرب والدول الكبرى ودول الجوار بخطاب عقلاني، وأن يقيموا علاقات بدول مؤثرة في القرار الدولي مثل بريطانيا وفرنسا، ويتجنبوا الصدام مع الولايات المتحدة الامريكية.

أحدث المقالات

أحدث المقالات