-1-
ضمّتني – ومجموعة من الأحبّة – جلسة كان فيها بعض الضيوف ممن لَمْ أكن قد تعرّفتُ عليه من قبل .
وكنتُ أود أن أعرف مَلَكاتِ الضيف ومقدرتة الأدبيّة، فبادرتُه سائلاً :
هل قلتَ شيئاً من الشعر ؟
قال :
نعم
قلتُ :
هل لي أن أسمع بعض ما قلت :
فأنشد :
” من جاء بالقول البليغ فناقِلٌ
عنهمُ وإلاّ فهو منهم سارقُ
سَاووْا كتابَ الله إلاّ أنَّه
هو صامتٌ وَهُمُ الكتابُ الناطِقُ “
وهذا البيتان مشهوران متداولان وهما للشيخ الأعسم – رحمه الله – في حق الائمة الهداة من أهل البيت (ع) ، فهم الكتاب الناطق ، وهم معدن الحكمة ، وينبوع البلاغة ، ومصابيح الهدى، وسفن النجاة .
فقلتُ له :
كيف يكون البيتان لك وأنا أحفظهما ؟..!!
وللعلم فانهما مذوكران في كُتبٍ طبعت قبل ان يُخلق مدعي نسبتهما اليه..!!
لقد عجبتُ من الرجل وجرأته على الكذب الصريح من دون حياء !!
وأعجب من ذلك :
أنه حين سمع ما قلناه ، لم تنعكس عليه ملامحُ الإرتباك … حتى كأنَّ شيئاً لم يكن ..!!
الكذب – كما هو معلوم – من الكبائر ، وحين يرتكب – هذا الصلف الصفيق- الكبيرة بهذه السهولة، يكون قد أمعّن في الولوغ بمستنقعات التردي الروحّي والأخلاقي ..!!
وقد تعجب اذا قلتُ لك :
انه ممن جعل نفسه معلّماً للناس، يلقّنهُم دروس الفضيلة والأخلاق ..!!
وقديما قال الشاعر :
من كان يخلق ما يقولُ فحيلتي فيه قليلة
ان الكذاّبين الذين يعيشون بين أظهرنا ليسوا بقليلين ..، وهم يعلمون أنَّ الكثير من أكاذيبهم مكشوفة ،ولكنهم رغم ذلك لايجدون من التقريع والتأنيب ما يحملهم على التفكير الجدي بالإقلاع عنه !!
ان كثيراً من الناس يستمتعون بأكاذيبهم ، وكأنهّم يستمعون الى طرائف الحكمة والأدب ..!!
وهذا مما يُشجعهم على المضي في أشواطهم المليئة بما يغاير الحقيقة والواقع …
-2-
لقد حدّثناك عن (كذبة شعرية) – اذ صحّ التعبير – وسرعان ما انكشفت للحاضرين ، وبانت لهم الحقيقة دون اي لبس أو غموض .
ولكنّ هناك بعض الأكاذيب التي لايظهر أثرها السلبي الاّ بعد حين، وفي طليعتها (الكذب السياسي)، وهو ما يُقدم عليه الكثير من الوصوليين في مواسم الانتخابات ، حتى اذا اجتازوا الامتحان ، أغلقوا أبوابهم بوجه مَنْ خدعوهم ، وتفرغوا لجني المكاسب والامتيازات ولم تَعُدْ أمامهم فرصةٌ لتّذكر ما قطعوا على أنفسهم من عهود ووعود …
ان كان الكذب معيباً منهم ، فالوقوع في أفخاخهم مرّة بعد مرّة ، عيب ايضاً…
ان اصحاب البضاعة الرديئة، يحاولون تصريف بضاعتهم بكل وسيلة ، فذلك شأنهم ، ولكنّ الحصيف لايختار الاّ السليم، ويميّز بدقة بين السليم والسقيم ..