من المعروف ان سمة الجهل بالقراءة والكتابة عندما تخص احد المتحاورين في اي قضية مشتركة بينهما تؤدي الى سوء بالتوافق بينهما , عندئذ لا ينجم عن حوارهما اي نفع , وهذا له اسباب عديدة منها ; ان البنية النفسية لصاحب سمة الجهل لابد تركزت في جسمه الداخلي بصفات لا تتشابه في بعضها او جميعها مع صفات المحاور الثاني ,
لذلك نراه يفقد الميل نحو نظيره بالحوار لعدم توفر ادوات الاستعداد الثقافي التي تؤهله من الوصول الى صفات ثقافية وعلمية مشتركة يمكن بها ان يصنع مع الآخر التوافق المنشود الذي يفكك لهما المعضلة ,
ولو نعكس هذه الفكرة على الحكومة المركزية وحكومة الأقليم , ونفترض ان البنية النفسية لدى حكومة الإقليم بنيت وتأسست بموضوع مغاير عن صفات حكومة المركز , فالمحصلة تكون بالإستقراء والتنقيب في تراث الصفات السياسية وتجارب الإقليم السابقة ,
نجد فيه الشيء الكثير من عدم التشابه الذي يقابل سمة الجهل بالقراءة والكتابة آنفة الذكر , فضلآ عن وجود عجز متبادل وقبول متبادل لدى الطرفين وخاصة في موضوعة الإستفتاء للإنفصال , فالإقليم في بنيته النفسية يعجز عن التراجع عن هذه الموضوعة , بينما الحكومة تعجز عن التراجع عن فكرة الموافقة عليها ,
علمآ ان الإستفتاء للإنفصال في ضوء التجارب السابقة تحول في ايامه الى هوس بلغ حدود الميل نحو الغطرسة عند الكورد اثناء التحاور بالإصرار والصلابة مع المسؤولين في الحكومة المركزية , وكأن تقمص الغطرسة كان توجيهآ جماعيآ ورسميآ , وهذا يستدل منه ان الاقليم كان في حينه يأمل من اللوبي الصهيوني الموجود في فرنسا أن يضغط على الرئيس ماكرون وحكومته لدعم الإستفتاء على الإنفصال , لذلك امتلكوا الغطرسة الدالة على القوة والصلابة اثناء الحوار مع الحكومة من ناحية ,
فضلآ عن المشاركة الوجدانية للجماهير الكوردية التي عبّرت عن بهجتها بالهتافات ورفع الرايات الصهيونية بالتزامن مع وقوف العدو الصهيوني مع انفصال الإقليم في ذلك العام من ناحية اخرى . فهل هذه الامور كانت من ضمن الاعتقاد بالقضاء والقدر , أم كانت ناجمة عن بلَهٍ في العقل السياسي , أم جاءت عن دراية وتفاهمات سياسية مسبقة وتخطيط شارك به الكورد ويشهد عليهم إرثهم السياسي ؟!
إذن الخلاف الحالي على اقتراح تعديل المادة 12 من قانون الموازنة بإحتساب سعر البرميل المنتج في الإقليم بـ 16 دولار قابل للزيادة والنقصان وحسب مقتضيات السوق الدولي والتهديد بالإنسحاب من العملية السياسية ليس جديدآ على الخلاف حول حصة الإقليم البالغة 17 بالمائة , وعلى المادة 140 من الدستور , وعلى قانون النفط والغاز وآلية تصدير النفط بالإقليم وحصص المنافذ الحدودية من الواردات , والخلاف على الرواتب في كل عام ,
وليس جديدآ , أيضآ , على نزوع الإقليم الإنفعالي الى الإنسحاب من العملية السياسية في كل مرّة لأنه يرمي من خلال الإنسحاب الى شيء آخر وهو غريزة النزوع الى الإنكفاء والإنعزال وهما صفتان يعيشان في داخله من اجل التركيز على المجاهدة في صنع ميدان حديث يهتم بإستئناف الإستفتاء ,
الذي يرونه حاجة ضرورية واساسية لإشباع حاجات الضبط والأمن من ناحية , ووسيلة لتحقيق حاجات البناء والدفاع والسيطرة على الشعب والقبول بالمواقف الدولية المؤيدة للكيان الصهيوني , وربما الإيفاء بالشكر والثناء لمن وقف معهم بالسلوك السياسي غير المعياري .
وهذه الحاجات لو ينظر اليها بطريقة استقرائية كالتي الى البنية النفسية للإقليم , نراها تتعلق بالحاجة الجسمية للإقليم فحسب , هي حاجات مركزية جماعية تمهد الى نمو الخلافات بالإدمان على غيبة التوافق بينهما ليشتق منها الدافع الى تحقيق الإستفتاء ثانية ليتم من دون ملامة من احد .
ختامآ , في التنظير السياسي هناك طرق مباشرة وغير مباشرة عديدة في معالجة المحاولة والخطأ في اي اجراء مصيري ومنها ; طريقة التلازم بالإختلاف , وطريقة الإعاقة , وطريقة الجدل الدوري المزمن , فهل بهذا الإستقراء للبنية النفسية للإقليم تم تحديد لماذا بقيت غيبة التوافق مزمنة في عدم جلوسها بين كراسي حكومة المركز والإقليم , بغض النظر عما يجري الآن من جدل ؟ !