16 يناير، 2025 11:50 ص

القضية التركمانية في العراق: جذور تاريخية وصراع مستمر من أجل الحقوق

القضية التركمانية في العراق: جذور تاريخية وصراع مستمر من أجل الحقوق

تعتبر القضية التركمانية في العراق من القضايا التاريخية التي تعود جذورها إلى عقود مضت. فالتركمان ليسوا حديثي العهد في العراق، بل يشكلون جزءًا أصيلًا من تركيبة البلاد السكانية منذ مئات السنين، حيث شهدت فترات تاريخية سيطرتهم على السلطة حتى نهاية الدولة العثمانية عام 1918. ومع انتهاء دور الدولة العثمانية في المنطقة وبداية الاحتلال البريطاني، دخل التركمان مرحلة جديدة اتسمت بالتهميش والإقصاء والمعاناة المستمرة.

يعود الوجود التركماني في العراق إلى عصور قديمة، حيث استوطنوا مناطق واسعة تمتد من شمال العراق إلى وسطه، وشكلت مدن مثل كركوك وأربيل وتلعفر مراكز ثقلهم الرئيسية. خلال فترات تاريخية مختلفة، لعب التركمان أدوارًا مهمة في إدارة المنطقة وبرزت منهم شخصيات سياسية وعسكرية وثقافية بارزة.

مع تأسيس الدولة العراقية الحديثة في ظل الانتداب البريطاني، بدأ التركمان يشعرون بالتهميش والإقصاء. فقد تم التعامل معهم كمواطنين من الدرجة الثانية، حيث فرضت عليهم واجبات المواطنة كاملة بينما مُنحوا حقوقًا منقوصة. تجلى هذا التهميش في عدة جوانب:

– الحرمان من المشاركة السياسية: مُنع التركمان من تأسيس أحزاب سياسية تمثلهم وتم تهميشهم في الحياة السياسية للدولة.

– التضييق الاقتصادي: حُرم التركمان من فرص العمل في مؤسسات الدولة وتم التضييق عليهم في مجال التملك العقاري، حتى مُنعوا من شراء العقارات في مناطقهم الأصلية.

– المجزار التي ارتكبت بحق التركمان:

أحداث كركوك 1924: بدأت هذه الأحداث بخلاف بسيط بين جندي آشوري من قوات الليفي وصاحب متجر تركماني، لكنها سرعان ما تحولت إلى أعمال عنف واسعة النطاق استهدفت التركمان في كركوك. قُتل وجُرح العشرات من التركمان في هذه الأحداث، وشهدت المدينة حالة من الفوضى وعدم الاستقرار.

مجزرة كاور باغي 1946: وقعت هذه المجزرة خلال مظاهرة سلمية للتركمان في كركوك للمطالبة بحقوقهم. فتحت الشرطة العراقية النار على المتظاهرين، مما أدى إلى سقوط عدد من القتلى والجرحى. تُعد هذه المجزرة دليلًا على القمع الذي مارسته الحكومات العراقية المتعاقبة ضد التركمان.

مجزرة كركوك 1959: تُعتبر هذه المجزرة من أكثر الأحداث دموية في تاريخ التركمان الحديث. وقعت في أعقاب اضطرابات سياسية شهدها العراق بعد ثورة 14 تموز 1958. استهدفت عناصر شيوعية التركمان في كركوك وارتُكبت فظائع بشعة بحقهم، من قتل وسلب وتهجير. خلّفت هذه المجزرة جرحًا عميقًا في الذاكرة التركمانية.

مجزرة آلتون كوبري 1991: وقعت هذه المجزرة في أعقاب الانتفاضة الشعبانية ضد نظام صدام حسين. بعد قمع الانتفاضة، قامت قوات الأمن العراقية بارتكاب مجازر بحق السكان المدنيين في آلتون كوبري، التي يقطنها التركمان. قُتل وجُرح المئات من التركمان في هذه المجزرة وهُجّر الآلاف من المدينة.

التهجير القسري والاعتقالات والإعدامات: تعرض التركمان لحملات تهجير قسرية وترحيل، كما طالتهم موجات من الاعتقالات والإعدامات، استهدفت بشكل خاص النخب والشخصيات القيادية التركمانية. يُعد يوم 16 كانون الثاني 1980 يومًا أسود في تاريخ التركمان، حيث تم فيه إعدام مجموعة من قادتهم وهم الدكتور نجدت قوجاق والدكتور رضا دميرجي ورجل الاعمال عادل شريف والزعيم عبد الله عبد الرحمن، مما زاد من شعورهم بالظلم والتهميش.

أدت كل هذه الممارسات إلى تعزيز الشعور بالهوية والانتماء لدى التركمان وزادت من تمسكهم بقضيتهم وحقوقهم. أصبح التركمان أكثر وعياً بضرورة الدفاع عن وجودهم وحقوقهم المشروعة في العراق وهذا الأمر كان طبيعياً لأمة كانت لها تاريخيها المجيد.

لا يزال التركمان يعانون الكثير من التحديات حتى اليوم ولكنهم استطاعوا تحقيق بعض المكاسب في السنوات الأخيرة، منها الاعتراف بهم كأحد المكونات الرئيسية للشعب العراقي وحصولهم على مقاعد في البرلمان والمجالس المحلية.

يطمح التركمان إلى تحقيق المساواة الكاملة مع باقي مكونات الشعب العراقي وضمان حقوقهم السياسية والاقتصادية والثقافية والحفاظ على هويتهم وتراثهم. كما يسعون إلى تحقيق الاستقرار والأمن في مناطقهم ووضع حد لجميع أشكال التمييز والتهميش.

تعتبر القضية التركمانية في العراق قضية تاريخية مستمرة، تعكس صراعاً من أجل الاعتراف والوجود والحقوق. يتطلب حل هذه القضية فهمًا عميقًا لجذورها التاريخية وإرادة سياسية جادة لتحقيق المصالحة الوطنية وضمان حقوق جميع مكونات الشعب العراقي، بمن فيهم التركمان.