كثيرا ما يُطرح سؤال عن فائدة الشعر ودور الشعراء في بناء الحياة الحرة الكريمة , وهل أن كثرة الشعراء تعني إستهاض المجتمعات ودفعها نحو الرقاء والنماء , ولماذا يكثر الشعراء في بعض المجتمعات بالمقارنة بغيرها؟
أسئلة لا تنضب وأجوبتها محيرة وصعبة , فالشعر لازمَ البشر منذ الأزل , وربما ترافق مع إبتداء تخاطبه مع بعضه , ويبدو أن البشر كان صاحب لغة منذ نشأته الأولى , وإلا كيف إستطاع التفاعل والتواصل والتطور , فاللغة كانت ركنا أساسيا لتأمين وجوده والحفاظ على بقائه , ومعها كان الشعر المعبّر عن نبضات النفس ومشتركات إيقاعاتها المنسجمة مع طاقة الحياة الكامنة فيه.
وأدوار الشعر تتباين مع الأماكن والأزمنة , فلكل عصر ما يناسبه من الشعر , لأنه يمثل ما تختزنه النفس البشرية في وعائها الذي تتوطنه.
وما يعانيه الشعر المعاصر تحوله إلى خطاب نخبة , وإهماله للجماهير التي تجذبها نفحات الأعماق المتهادية بإنسجام يطربها , ويضخها بمداد القوة والإقتدار والأمل والتفاؤل والوعي الأسطع.
فما يُكتَب محشو بالرمزية والغموض والتعقيد وبالمفردات المبهمة والعبارات المضطربة , المجافية للإيقاع الجميل , والنائية عن الإحساس بالموسيقى العذبة للكلمات المنسابة في تموجات ذات نبض بديع.
الشعر الحالي تنضيد أحرف وكلمات , وتفريغ عبارات من فحواها , ودفع القارئ للحيرة والنفور منها , أما السماع فما عاد مؤثرا لأنه بحاجة للإيقاع الطربي , والتأثير المتناسق المنسجم مع ما تحفل به النفوس المترنمة بالأنغام.
وربما يكون ذلك السبب في إتهام الشعراء بفقدان الدور المتوافق مع تطلعات مجتمعاتهم , وإغراقهم بالكتابات التبريرية والرثائية , وأكثرهم يميل للبكائيات والتعبيرات المتشكية المجسدة للمظلومية , والبوح الآهوي الشديد التنديد بواقع يئنون من ضغوطه ومآلاته الساحقة لوجودهم , وبعضهم وربما معظمهم , تحول إلى أبواق كراسي , ووسائل للدعاية والتسويغ للمآثم , مثلما كان بفعل شعراء البلاط عبر العصور , وهم يرفعون رايات المديح للمتجبرين.
فما نفع الشعراء في مجتمعات مهضومة ومحرومة؟!!
وهل يوجد شعر جماهيري منير؟!!
د-صادق السامرائي