التحالف الوطني الشيعي يشبه شخصية ياسين أبن سي السيد الذي رسمهُ نجيب محفوظ في روايته الثلاثية التي ابتدأت من ” بين القصرين” الى “السكرية”، فمحفوظ قال عن سي السيد، بأنّهُ حاول في سنين حياته المتقدمة من العبث واللهو، تطريتها بحب الموسيقى والغناء، إلّا أن متعه ظلت حسّية، متعلقة بالدم واللحم !!
أمّا ياسين، فهو نسخة كاربونية، غير متقنة من سي السيد، يُبرز محفوظ تناقضاتها، بالأشارة الى أناقته المفرطة، وتضارب تلك السمة مع العناية، بتفاصيلهِ الأخرى ! وبقفزة سريعة من عالم المجازات الأدبي الى عالم السياسة ، عالم التحالف الوطني الشيعي، المجلس الأعلى تحديداً، وجدنا أن المؤسسة السياسية الشيعية، ورأسها البارز، ادمن قبل الانتخابات النيسانية الأخيرة ، ترديد مفردة ” التغيير” ، حتى ظننا أننا نستعيد اجواء معركة بدر، أو على الأقل أن العراق كان سيحصد عدالة قريشٍ مع المسلمين في أُحد.. قتل المسلمون من قريشٍ 70في بدر، فردّت قريش بقتل 70 فقط في يوم أُحد !!
تفاجئنا مع أعلان النتائج التي حصد فيها ائتلاف السلطة الحاكمة، 95 مقعداً، بأن المجلس الأعلى الذي يُعد، أبرز اصحاب الحنكة السياسية في المؤسسة الشيعية، تراجع عن ” التغيير” الى بيتهِ شبه المهجور قبل الانتخابات.. التحالف الوطني، معلناً بأنّهُ لن يفرّط فيه، وهكذا مابين أناقة ” شعار التغيير” ، والعودة الى مايخص قناعاته المذهبية التي ترى بأن ترويكا مستقبل العراق السياسي، يجب أن يكون بعجلات شيعية، خسرت أصابع أبو زيد البنفسجية.. المواطن العراقي.
المجلس الأعلى، قرر أنّهُ ” مينطيها”، أسوة بربّ البيت الحكومي الذي أعلنها قبله، ويبدو من المنطق والتسريبات التي حصلنا عليها من داخل اروقة المجلس الأعلى، بأن الحكيم، امام خيارين لايحسد عليهما، بالنسبة للشعار الذي اطلقه، فأمّا التحالف مع المالكي، وأمّا أن لايدخل الحكومة كما فعلها سابقاً، لكن هذه المرّة، اذا حصل ذلك، فأن قاعدة الحكيم من اللاعبين السياسيين، ستكون مهجورةٍ !
الأهم من هذا كلّه، بأن جميع الفرقاء داخل التحالف الوطني، سواءٌ الجناح الذي يقف مع تولي المالكي، كالفضيلة مثلاً، او جناح الواقفين في محطة الضدَ، متفقون على أن تبقى المؤسسة الشيعية على رأس هرم حياة العراق السياسية، أي أن التحالف مع متحدون مثلاً، أحلامٌ باتت تعيش في مخيال القلائل من العراقيين الذين لايمتلكون هويات طائفية.
لاأعرف مالذي سيختارهُ الحكيم، لكن الذي أنا متأكدٌ منه، أن على المجلس الأعلى، أن يصنع نعشه السياسي بيديه، اذا ماتحالف مع المالكي، لكن ربّما قد تقول الساعتان اللتان غابت فيهما كاميرات الأعلام عن لقائه مع السفير الامريكي، شيئاً آخر.
هاتان الساعتان، دفعت رئيس الحكومة الحالية الى زيارة الحكيم في الأسبوع الماضي، فاذا حضر الماء.. الجانب الامريكي، بطل التيمم.. حكومة الأغلبية أو أي شعارٍ سوفسطائيٍ آخر.
أمّا فيما يخص الجانب الإيراني، فكما نوّهت سابقاً، بأن مصير الجولة النووية بين إيران والستة الكبار، والتي تمّ ترحيلها الى تموز القادم، قد ينتجُ عنها ، ستة أشهرٍ أضافية، أو حسم الملف النووي، سيكون لها بالضرورة، دورٌ كبير في توضيح ملامح الموقف الإيراني من بقاء دعمها لشخص رئيس الحكومة الحالية من عدمه، ورغم أن ذلك يعني، تعطيل تشكيل الحكومة العراقية القادمة، فلن تكون هنالك غرابة، اذاماتذكرنا تجربة تشكيل حكومة 2010، والتي احتاجت تقريباً الى ستة أشهرٍ هي الأخرى، وهنالك دليلٌ آخر على الفرجة الإيرانية، بأنها اتفقت مع أمين عام حزب الله، أن يتوسط للمالكي لدى خصومهِ الصدريين، والذي وسّط بدورهِ شخصية عراقية دينية !!
تبقى لي أن أعيد قناعتي، بأن العراق على شفا حفرة، وعلى شفا التقسيم، اذا مانال رئيس الحكومة الحالية، دورته الثالثة, وأيضاً نهاية جناح فرقاء المؤسسة الشيعية ضد الولاية الثالثة، بل وبدون مبالغة، سيبقى المالكي محلقاً بشكلٍ أبدي، بجناحين.. سُنّة وشيعة المالكي.