27 ديسمبر، 2024 1:06 ص

مؤتمر الرشيد: كلمة حق قائلها انتهازي!

مؤتمر الرشيد: كلمة حق قائلها انتهازي!

أثارت كلمة النائب السابق ليث الدليمي في مؤتمر دعم الاستقرار للمحافظات المحررة الذي عُقد في فندق الرشيد ببغداد في الأيام الماضية جدلاً واسعًا، خاصة بعدما تم ذكر كلمة “المظاهرات” التي أصبحت من المفردات الحساسة في المناطق المحررة، والتي باتت محظورة، رغم كونها إحدى وسائل التعبير التي كفلها الدستور لجميع المواطنين في العراق.

في كلمته، انتقد الدليمي بعض الشخصيات التي تصدرت قيادة المكون السني، معتبرًا إياها وصولية قزمت من حجم المكون وارهنت مقدراته من أجل مصالح ضيقة، في إشارة إلى خصمه محمد الحلبوسي. واختتم كلمته بتوجيه رسالة للإطار التنسيقي، مطالبًا إياه بالتعامل مع القادة الحقيقيين الذين يمثلون المكون السني، مؤكدًا أنهم هم الممثل الفعلي وأضاف قائلا “هل من الضروري أن نقوم بالمظاهرات لتأكيد ذلك؟

استمرت كلمته لمدة عشر دقائق، ورغم طريقة الإلقاء والطرح المثيرة للجدل، إلا أنه لا يمكن إنكار أن الدليمي قد شخص بدقة ووضوح واقع المكون السني في هذه المرحلة.

خلفية المؤتمر

لا شك أن الوضع في سوريا قد ساهم بشكل أو بآخر في إقامة هذا المؤتمر، كما أن إقصاء الحلبوسي من المشهد السياسي لعب دورًا مهمًا في دفع الأمور نحو هذا الاتجاه، فالدكتاتورية التي مارسها الحلبوسي لم تكن لتسمح بمثل هذا المؤتمر أبدًا، كذلككان الاستياء الواسع من الجماهير والنخب تجاه تصدر حزب “تقدم” وفرض الطابع الشعبوي والدكتاتوري في مناطق السنة، خاصة في الأنبار، له دور كبير في إنجاح هذا المؤتمر، إضافة إلى الدعم الضمني لبعض قيادات الإطار الذي لا يمكن إخفاؤه. واختتم المؤتمر بتوصيات تقليدية تتماشى مع تقليدية المشهد السني منذ تحرير مناطقهم من داعش.

أما المشاركون في المؤتمر، فقد ضم الصف الأول عددًا من الشخصيات السياسية البارزة، من بينهم رافع العيساوي، وصالح المطلك، والنائب سالم المطر العيساوي، إلى جانب شخصيات أخرى محسوبة على المعسكر المعارض للحلبوسي. كما شارك البعض إما بتأثير من جهات معينة، أو بدافع معارضتهم للحلبوسي، بينما حضر آخرون برغبة صادقة في البحث عن حلول للواقع السني.

لاقى المؤتمر عدة انتقادات، إذ اعتبره البعض أنه ينطلق من قاعدة مفادها إرضاء قادة الإطار التنسيقي، فالمؤتمر لم يسعَ جاهدًا لطرح رؤية سنية مستقلة ذات طابع وطني أو مدني، بل كان يؤكد على أن أي رؤية سنية يجب أن تتماشى مع رؤية الإطار التنسيقي وقياداته، وهو ما يعكس فلسفة التنازل التي يتبعها الحلبوسي، والتي اتفق غالبية الحاضرين على انتقادها.

من جهة أخرى، رد مؤيدو المؤتمر بأنه جزء من لغة الحوار والمتماشي مع الواقع، فإن قيادات الإطار هي من تحكم المشهد، وبالتالي ينبغي المضي في ظل هذا الواقع المفروض، بعيدًا عن آراء المؤيدين أو المعارضين يبقى الواقع السني بحاجة ماسّة إلى تبني ثقافة المؤتمرات والحوار كأداة فعّالة لإعادة صياغة الرؤية المستقبلية ومعالجة التحديات التي تواجه المكون.

من أجل مؤتمر حقيقي

مع القضايا التي يعاني منها السنة في العراق والتوترات الإقليمية التي تشهدها المنطقة، يصبح من المنطقي والفعّال الدعوة إلى مؤتمر حقيقي وفاعل يضم جميع النخب المجتمعية والسياسية والشباب، ممن يمتلكون الفهم الكافي لإشكالية السنة في العراق.

تلك الإشكالية التي مرت بتحديات ومراحل تركت آثارًا سياسية واجتماعية شكلت واقع السنة الحالي، نتيجة الفشل في إدارة المحطات المفصلية التي مروا بها. من أبرز هذه المحطات عام 2003 عندما شهدوا تغييرًا جذريًا في النظام السياسي بعد سقوط نظام صدام حسين، ثم عام 2014 مع سيطرة تنظيم داعش على بعض المناطق السنية في العراق، وما تبع ذلك من دمار وتشتت.

يعود الفشل في إدارة هذه المحطات إلى تعقيد الرؤية السياسية والاجتماعية للسنة، فنتيجة لذلك أصبحوا غير قادرين على تقديم رؤية موحدة أو صيغة واضحة لمستقبل سنة العراق هذا الفشل أدى إلى صعوبة في تعاطي المكون السني مع المكونات الأخرى، مما جعلهم عرضة للتهميش والاضطهاد، كما انعكس هذا الفشل في عدم قدرة السنة على تحقيق نموذج سياسي مدني أو مسلح يكون له تأثير إيجابي في قيادة المكون السني في العراق.

ويعود السبب في هذه الحالة الفشل إلى الإشكاليات العميقة المرتبطة بالهياكل الفكرية والسياسية والاجتماعية التي لا تزال تسيطر على العقلية السنية، حيث تتسم بالجمود وغياب الفهم المعمق للتحولات السياسية التي مروا بها، أو للسياقات التاريخية، أو لتأثير العولمة والتحولات القيمية، بالإضافة إلى غياب شبه مطلق للفهم والعمل السياسي، ما أدى إلى وصولهم إلى هذا المشهد الراهن أكثر من أي إرادة خارجية قد تؤثر على المكون السني.

بالتالي، من هنا تأتي الحاجة إلى هذا النوع من المؤتمرات الفعالة من اجل تركز على محورين رئيسيين. الأول يتعلق بإعداد صيانة جريئة لمنظومة القيم والفكر السني، لتكوين منظومة مرنة قادرة على الحفاظ على ثوابت الهوية، وفي الوقت ذاته تتفاعل بمرونة مع متطلبات العصر وتحدياته، أما المحور الثاني فهو البحث عن إجابات للأسئلة الجوهرية ماذا يريد السنة؟ وكيف يريدون ذلك؟ وإلى أين يسعون؟.

من خلال هذين المحورين، يمكن صياغة رؤية استراتيجية للمستقبل السني تتسم بالطابع المدني، تأخذ في اعتبارها التوازنات الإقليمية والداخلية التي تفرضها التحولات في دول المنطقة، هذه الرؤية ستمكن من ضمان وحماية الحقوق الأساسية، ومعالجة القضايا الحقيقية التي تهدد وجود المكون السني، وتعزز حالة من الاستقرار والتقدم للمكون وللعراق ككل.

قد تكون الفرصة الحالية مواتية واستثنائية، إذ يمتلك المكون السني فرصًا أكبر من غيره لإجراء إصلاحات بنيوية أو تعزيز وجودهم، فهم لا يعانون من تأثيرات إقليمية مشابهة لتلك التي تواجه المكون الشيعي، كالنفوذ الإيراني، أو التأثيرات التركية تجاه الكرد وغيرها من العوامل الأخرى، هذا ما يمنحهم إمكانية استغلال غياب التأثير الإقليمي لبناء مشروع سياسي واجتماعي متوازن يلبي التطلعات، ويساهم في إنشاء نموذج ريادي ومعاصر في دولة التنوع، بعيدًا عن الصراعات الطائفية والتحديات الإقليمية، مما يعزز الاستقرار الاجتماعي والسياسي في العراق. وإلا فإن استمرار ثنائية الخنجر والحلبوسي قد يكلفهم الكثير في المرحلة المقبلة.