23 ديسمبر، 2024 10:05 ص

عندما يأتي المساء حاملا عباءة ليله الأسود.. أجدني ألوذ في الركن البعيد خوفا أن يراني مبتسما وقد ألزم نفسه بوعد أن لا يراني كذلك فيسقيني مر الوهم المتشظي ذكريات منسية…
من شدة خوفي تهمس نفسي قائلة:
هكذا هي الوحدة فعندما تكتب أصابع الحقيقة مر وهم ما تعيش وقتها تدرك ان الوهم الذي عشت هو الشهد المر للحقيقة الواهمة ..

فأجيبها دون وعي، تنصحيني بالعفة و ترغب اللذات نفسكِ هلا كففت هوس وسوستك وأبعدت مرايا وجوه ماجنة تطوف الكعبة الجديدة.

ها انت تعيد نفس حديث الدعاة الذين لا يكلون منه ولا يملون لكني اوصيك بأن تجعلني نظارتك السوداء حتى نتطارح الغرام دون أن يرانا أحد، فعتمة زجاجها كفيل بأن يكون مثل إمرأة تحمل ميزان العدالة ما رأيك؟؟؟

ألم أقل لكِ بأنك مهووسة بحقارة الاولين الذي رافقوا شياطين الرايات الحمر، يهتفون بتقارع كؤوس وفتح بوابات لحم محرم..

لا تقلدني وسام الحرام وكأنك ناسك متعبد فها انا لا زلت ألملم اعقاب سجائرك التي بعثرتها وأنت تمسك بخاصرة زجاجة الخمر التي أغار منها حينما تتخيلني عاهرة تتمناها، أما الكأس آه كم تمنيت أن أكون بدلا عنه كي أتخلص من مرارة فمك، صدقني فطالما سألني ظلي عن نصفِ الثاني ونصف يسألني عن بقية ظلي ونسيا الإثنان أنهما بعض من كل، هيا إمحو كل خطوطك المستقيمة، إنه زمن الخطوط المتعرجة، إعكف على ان تنسق حياتك وفق زائر الليل فهو الكفيل بك بعد ان تستقبله بإهزوجة الوحدة التي يحب… سايره في مشقة ما يريد، تسكع معه أرصفة هامشية، كن له ظلا لكن دون خيال يصوره، اركب اذيال خطايا بساط العذاب كأنك تفترش احواض مستنقع آسن… حتى يدعوك لأن تكون ممن يحلمون بالحياة على أنها سفينة انقاذ، ربانها متوفي و نفسه التي كانت ترافقه ضاربة دف مثقوب… اما ايامه فراقصات ليل همهن ان يردن حوض النسيان فيغرقن مع انفسهن في وحل الرذيلة بعنوان بنات ليل..

يبدو انك قد استطعمت حلاوة مرارة الكلام فرحت تصيغ عبارات حلوة المذاق يستطعم من يقرأها الحلاوة منها، فيسوق نفسه الى المذبح ليصلي بخشوع ثم يدخل غرفة الاعتراف ومن مثله المحراب كل يستغفر ربه بطريقته التي وجد نفسه عليها… فحياتنا و اعمالنا هي موروث مركب يعزى الى منعطفات غابرة في حقب أباح القدر التداول بها كأنها بذور تنثر في ارض جرداء… همي يا هذا ان لا يراني زائر الليل لاني لا ارغب ان يشهد على ما آلت إليه نفسي التي عمدتها في لحظة ضعف وهي تتعبد الخالق في غير عنوان… الخوف يا هذا من تقلبات ازمان في وقت القدر له اليد الطولى في نقض العهود و نكران الاحقية فما سيأتي، سيكون اشد من زوار الليل، إن ما سيأتي تحمله غرابيب سود تُبطن غير ما تُظهر كما اعتادت الغربان غير انها ماهرة في حفر القبور اي قبور، المهم ان تعمل على قتل الحياة بمعزل عن الانسانية في وقت اطاح القدر بآلاف من القيم عربون لما هو قادم من اهازيج يتداولها من يطوف الكعبة كأهازيج الجاهلية بدف و رِق.

القاص والكاتب
عبد الجبار الحمدي