2 ديسمبر، 2024 8:44 م
Search
Close this search box.

لعنة المعاهدات..

لعنة المعاهدات..

 

بعد توقيع المعاهدتين المدمرتين.. سالت على الخد دمعتين حارقتين.. خسارة دامت من الزمن عقدين.. علقتنا بين نارين.. جحيمين.. زمنين.. سرعتين.. أبحت عن بيتي.. أجمع فيه شتاتي.. وقاري.. كرامتي.. ملقاة على الرصيف.. بيني وبينه إعصار شديد.. التباس من الزمن البعيد.. هذا ما تبقى من الوطن الحزين.. سقطت الأقنعة والأرواح بالملايين.. انهارت البساتين والياسمين.. صرخنا صرخة الأنين.. رقصنا رقصة المجانين.. نحن في زمن رهيب.. في سمائنا ضباب أحمر كثيف.. رجال أصبحت تهوى الفساتين.. علينا إثبات هويتنا للغريب.. في وطني جلادون يصطفون في طوابير.. يضرمون النار في الهشيم.. قرارات تصدرها شياطين.. فقدنا نعمة التوازن.. افتقدنا نور الفوانيس.. أصبحنا نعيش تحت وطأة الكوابيس.. كيف لنا أن نرضى بالمصير.. ونصفق لأداء التماثيل؟.. إفتراءات من نبع خيال ذات الشمال وذات اليمين؟.. روايات غير مكتملة الأطراف.. تنقصها روعة التفاصيل.. ملاحم حامية الوطيس.. شخوصها متاعيس.. أطفالها متاريس.. نساؤها عرضة لمن يدفع المزيد.. ما جدوى سن القوانين.. في وطن أصبح عنوانه تقديم القرابين.. خزينة تحصي الضرائب والفواتير.. مساكن تأويها الكراكيز.. الوطن ليس مجرد ساحة لعرض المشاهير.. ليس بقرة في ضيعة برسيم.. الوطن ليس رقعة شطرنج تهواها السلاطين.. أو تحفة ثمينة.. ووجهة لأصحاب الملايير.. الوطن ليس مجرد تاريخ تحكي عنه الأساطير.. أو نشيد تردده العساكر والتلاميذ.. الوطن ليس مجرد خريطة مرسومة بالطباشير.. أو “خرابيش” منصوص عليها في مراسيم.. الوطن ليس مأدبة عشاء على شرف الخفافيش.. أو تعاريف ومعاني محفوظة في قواميس.. أو قصائد حب تلقى بها على قارعة الطريق.. الوطن ليس فدية يفرضها الأسياد على العبيد.. أو مجرد عنوان في جيب عابر سبيل.. الوطن أكبر مما شاد به شعري البسيط.. وأجمل مما تغنت به الطيور والعصافير.. الوطن أسمى وأعظم منا أجمعين..
بعد المكيدة والمصيدة.. وأفعالهم المبغضة الشنيعة.. جاءتنا الأنباء الحزينة.. أعلنوا عن موته المحسوبة.. بلا.. بل أعلنوا عن نهايتهم المحتومة.. في وصاياه السبع مذكورة.. من الكتاب المقدس حذفوها.. إنهم عن الحقيقة لغافلون.. بينما السنوار مات شهيدا.. قد تبدو بعض الانتصارات في رأيهم محسومة.. إلا أن عند الله حبل الخواتم مازال طويلا.. قد يبدو للظلم والظالم مخالب وأنياب.. ويبدو الحق والباطل لديهم سيان.. بلا، فبين الحق والباطل قسطاس وميزان.. “يا من لم يراع ثقل ظلمه علينا.. والله لن ينصر من كان على أهلنا معتديا”.. ومن مات في سبيل الحق شهيدا.. كان نصر الله لأمره حليفا.. ومن مات على غير أرضه مرتميا.. كمن أكل ذي ظفر.. أمره صار مخالفا محظورا.. قد يكون اسم الفاني على الرخام منقوشا.. بينما ذكر الشهيد يبقى في الذاكرة محفوظا.. ضاع حق الرجل أمام العيان.. لكن لم يضع عند الله شأنه العظيم.. يموت الكبير ويبقى صيته.. يتذكره التاريخ وقوله.. الطريق مازال شوكه.. والقرنفل فاح عطره.. عن الأمر الخطير جاء يخبرني.. كشفت الأيام عن حزنها العميق.. “في الضفتين.. نار وجحيم.. واحد.. كمين ووعيد.. صادم.. لكن بعد ذلك.. عيد وأمر عظيم.. سوف يحدث.. فجر وشمس في السماء ستسطح.. قصر بديع سيشيد.. مهما طال الضلال والظلام.. وطال السماء القصاص.. وعم الدنيا الفساد والكساد.. عن الغليان لن تكف الدماء.. من المياه لن تجف الأنهار.. من العناق لن تمل الأشجار”..
في الليلة الظلماء.. جاء يدعوني.. لأعماق البحار يريد أخذي.. تكميم فاهي.. على طاولة المفاوضات.. يناقش اغتيالي.. معاهدات صادرت حقي.. في الكمائن تنوي إيقاعي.. في عرض الصحراء تنوي.. نصب الهيكل ليتها لم تنو.. كيف وجمر الثأر في الدماء تغلي.. والتاريخ عن ظلماته ما زال يحكي؟.. يحاول إيقاظ شيطاني.. قتلته، منذ أزمان.. ينوي زرع النبتة العقيمة.. في قلوب لم تعد له مطيعة.. يحاول نزع نظاراتي.. كي لا أرى ما يراه بدوني.. بل ليكشف السر المدفون بداخلي.. بابتسامته المزيفة المعهودة.. يحاول إقناعي بما لم يكن مقتنعا به.. يحاول بناء صرح.. على أرض لا يعلم سرها.. من ليست له أرض.. قبل إلقائه للخطاب.. لم يستوعب الزعيم أبياتي.. ولم يحترم النواب قداسة المكان.. أمام حضوره الباهت.. وتيهان الإليزيه في “الطريق الثالث”.. وأفكاره البالية.. عجز لساني عن التعبير.. كما عجز الغوص في أعماقي.. أحزاني.. وجداني.. آه لو كان الزعيم يدري.. “أن كل شيء إذا ما تم نقصان.. هذه الدّارُ لا تُبقي على أحـــــــدٍ.. ولا يدوم على حالٍ لها شأن”.. ترهاته لم تعد تجدي.. وهتافاتهم لا تعبر بالبث عني.. أسرارهما أصبحت ملكي.. والأكاذيب شفراتها عندي.. حدائق باريس والكونكورد.. لم تعد تغريني.. لعنة المعاهدات أعرفها جيدا وتعرفني.. ضاع الحلم والحلم يا أبتي.. من كان لعودة الأمس وغدر الأهل ينوي؟.. قمنا وانتفضنا.. للقضية أخلصنا.. لغير الوطن ما ركعنا.. لله ما أخذ.. له ما أعطى.. إلا أن للحياة منحى.. ولمآسينا عبرة ومعنى..
دعني يا عزيزي، ألخص قضيتي في بضعة كلمات.. أنا امرأة حرة.. لا أتقن فن الانحناء.. ولا أجيد السجود لغير الله.. أنا لا أومن بالمعاهدات غير المتكافئات.. وليس لدي أدنى عقدة تجاه الغرب.. ولا ألقي بشباكي عبثا في أعماق البحر.. أنا لا أنفق أموالي على الماركات المسجلات.. وليس لدي أدنى تقدير للمنحنيات.. أنا لا أصغي لخطاباتك الخارجة عن النص.. حتى ولو جاءت من داخل قوس النصر.. أومن بأن شرعية الحكومات لا تكمن إلا في سعادة الناس.. تأكد يا عزيزي ماكرون.. أن تقاريرك لم تصب علي النور.. أنا امرأة عميقة لا أرضى بالقشور.. ولا أعرض ثورتي على أبواب القصور.. لا يخيفني قرع الطبول.. ولا أقبل بغزو الجسور.. أنا لا أبيع ما تبقى في الوطن من طيور.. ولا أشارك في اغتيال التاريخ حتى ولو أضجرك غروري.. أنا امرأة حرة منذ العصور.. لا أتقن لغة الفجور.. لا يحمل وجهي علامات البثور.. لا أهاب ولا أخشى.. بعد أن تجاوزت الذهول.. عذرا، لم أكن أدري أن أرضي تنقصها عقول.. وبلادك يلزمها امتداد وذيول.. وأن أشعاري تنقصها لياقة وبحور.. وأفكاري تنبعث منها رائحة الخمور.. ووجهي تغيب عنه تعابير الحبور.. لم أكن أعلم أن ازدهار الجمهورية رهين بتخلي غيرها عن الحقول.. الحقوق.. وأن الحرية والمساواة.. قيم لا تسافر خارج الحدود.. ولا تليق بباقي الشعوب.. أقنعة الثورة سقطت عن الوجوه.. لم أكن أعلم أيها المأجور.. أنني شاعرة تهذي في شرود.. نعجة أنا في ساحة الكونكورد.. مطلوبة على خلفية تطبيق فحوى البنود والفصول.. محكومة على خلفية انتهاكي لحقك.. في بسط النفوذ.. مجددا، بكل دهاء وبرود.. بين المعاهدة الأولى والثانية.. لم يعد خيار لدينا.. ضاع حق أهالينا.. ضيعنا أراضينا.. في البحر نلقي مآسينا.. حينما تسند الأمور إلى غير أهلها.. فانتظر رمي الجمرات على الراعي وعلينا.. بعدما تعطلت لغة الكلام بيننا.. خذ بعضك وارحل بعيدا عنا.. معاناتنا وآهاتنا.. آلامنا وآمالنا.. تحملنا ونحملها في جفوننا.. الماضي والحاضر أصبحا خلفنا.. والعالم لم يعد يبالي بنا.. تبا للمعاهدات المتعاليات.. للحكومات المتعجرفات.. للمؤسسات العاجزات.. البائعات الشاريات.. الراقصات الباغيات.. العاريات الكاسيات.. تبا للبارجات المدمرات.. للطائرات المحلقات.. الخارقات العابرات.. تبا للجنرالات النائمات في الثكنات.. تبا لهدم البنيات والمكتسبات.. للعبث بالحريات ورمينا بالجمرات..
في القبة الحمراء جاء يلقي بثيرانه.. نيرانه.. ضحى الأول بمصداقية الشعارات ودماء الثورة.. من الذهول، راح الحضور يصفق على عزيمته.. هزيمته.. جعلني الموقف أراجع تاريخ البلاد وأتراجع عن زيارته.. وضحى الثاني بسيادة البلاد.. مرتميا بين أحضانه.. العظيم يا عزيزي، هو من يلتزم ببنود ثورته.. والعزيز هو من يحكم أرضه بنفسه..
يا إيمانويل، أنا مواطنة أعاني.. من مخلفات الماضي مازلت أعاني.. من عدم اكتراث الحاضر أعاني.. من مستقبل غامض أعاني.. من كثرة اهتمامك بي أعاني.. من حبك المزيف وكراهيتك غير المعلنة أعاني.. من التفاهة والثنائيات أعاني.. من كعكة الأوبرا والماكرون أصبحت أعاني.. من كبد الإوز والخبز الحافي أعاني.. من التخمة والجوع أعاني.. من الاغتراب ونوستالجيا الزمن الجميل أعاني.. من بسط نفوذك وصمت الأهالي أعاني.. من كل شيء أصبحت أعاني.. بك لم أعد أثق.. لم أعد أبالي.. مستغلة في كل حالاتي.. متهمة في كل أحوالي.. مراقبة في نومي واستفاقي.. وأنا أحكي وأنا أهذي.. رفقا بذاكرتي.. بذكائي.. بتاريخي وجغرافيتي.. بحبري الذي لم يعد يناسب أصحاب المنابر.. ولا يروق ذوي المناصب.. كلامي ليس على مقاس الأكابر.. لا شيء في الجمهورية تغير يا روسو.. سقطت أقنعة الثورة فهل أنت مدرك للأمر يا هوكو.. كامو.. فوكو.. ولا شيء يا “مطر” تغير في الأوطان.. اليمين كما اليسار.. أصبحوا يتقنون لغة الصمت كما الكبار.. يتقنون فن المتاجرة في الأمصار.. وطني يعيش في جنح الظلام.. لعنة المقص ما زالت تلاحق أنفاسي.. رائحة العهر في كل مكان.. سيرة أبنائي على كل لسان..

أحدث المقالات