2 ديسمبر، 2024 9:32 م
Search
Close this search box.

بعد صمت المدافع أي نصر وأي هزيمة

بعد صمت المدافع أي نصر وأي هزيمة

من غير المعقول أن نوجه اللوم إلى الثور الهائج الذي يحطم محتويات معرض الكريستال بل يجب أن نلوم ونحاسب من فتح البوابة لهذا الثور وسمح له بالدخول. في عام ألفين وستة وفي ألفين وثلاثة وعشرين اعطى حزب الله الثور الإسرائيلي رخصة الدخول وتحطيم لبنان وتدميره.
ما يثير السخط والغضب أن الدمار وقع ومن فتح الباب يتباهى بأنه نال النصر الإلهي بعد أن اقنع جمهوره أن لديه تكليفا الهيا للقيام بما قام به. هكذا قال أمين عام حزب الله مرة أنه مكلف من رب العالمين لحمل السلاح ومحاربة إسرائيل تحت شعار حماية لبنان والمقاومة ضد الاحتلال. لكن واقع الأمر أن هذا كله كان مجرد غطاء لالتزام الحزب بأجندة إيران في المنطقة العربية التي تهدف إلى مد نفوذ طهران في البلاد العربية. فقد عمل الحزب على تعزيز نفوذ إيران من خلال تعزيز نفوذ الحزب وسيطرته على مفاصل الدولة اللبنانية.
ذات الحجة التي استخدمها الحزب في هذه الحرب استخدمها عام ألفين وستة عندما قال انه يدافع عن لبنان ويساعد الفلسطينيين. وفي الحالين كانت خسارته كبيرة وكذلك خسارة لبنان.
طوال فترة الحرب أتحفتنا القنوات الفضائية ومنصات السوشال ميديا الغوغائية باستضافة جنرالات الكلام أصحاب الأصوات العالية للتعليق وتبشير الناس بالنصر وتحقيق الإنجازات الوهمية بشكل شديد الإثارة لكنه مضحك.
ظل هؤلاء يرددون ما يقوله الحزب بأنه يحمي الحدود ويواجه إسرائيل لمنع الجيش الإسرائيلي من اختراق الأراضي اللبنانية لكن البحر كذب الغطاس وتراجع مقاتلو الحزب بشكل مهين وتركوا آلياتهم ومخازن أسلحتهم وأنفاقهم وتحصيناتهم وفروا بأرواحهم. وتبين أن العدو كان يعرف تفاصيل مواقعهم ومواقع قادتهم وكانوا أهدافا سهلة واضحة أمام ضربات الاغتيال التي تمت.
والان الم يحن الوقت لتقديم كشف حساب عما وقع ومحاسبة المسؤولين عنه؟ من يتحمل هذه النتائج الكارثية التي وقعت على لبنان جراء مغامرة حزب الله غير المحسوبة التي يتباهى بها كثيرون ويعتبرونها نصرا؟
أي نصر يتحدث عنه أصحاب الأصوات العالية والدمار والخراب والموت يملأ لبنان أضعاف ما كان عليه الحال عام ألفين وستة؟ لقد دفع لبنان فواتير غيره مرات عديدة… فيكفي مغامرات ويكفي ادعاءات وبخاصة من انصار حزب الله الذين يرتزقون من تصريحاتهم المتوهمة بالنصر. وأكثر ما يُضحك من هذه التوهمات تصريح قائد الحرس الثوري الإيراني الذي قال فيه أن حزب الله استطاع أن يفرض شروطه على إسرائيل للقبول بوقف اطلاق النار. أي مهزلة هذه؟
الأكثر إثارة للحزن والكآبة تصريحات الشيخ نعيم قاسم الأمين العام لحزب الله الذي بشر الناس “باننا أمام انتصار كبير يفوق الانتصار الذي حصل في تموز ألفين وستة، انتصرنا لأننا منعنا العدو من تدمير حزب الله ومنعناه من إنهاء المقاومة أو إضعافها”. فأي غياب عن الواقع هذا؟ إسرائيل لم تدمر الحزب تدميرا كاملا لكنها دمرت كل قدراته العسكرية وهي في إطار الاتفاق الذي وقعه أو وافق عله حزب الله ستكمل مهمة تدمير هذه القدرات وبدعم دولي هذه المرة.
في حرب ألفين وستة وكذلك في هذه الحرب فإن حزب الله رهن قراره بيد طهران ليجر لبنان إلى ما جره إليه. وفي تلك الحرب كان هناك صمت لبناني رسمي وشعبي مريب تجاه ما فعله حزب الله من توريط الدولة اللبنانية ولم يجرؤ كثيرون على انتقاد الحزب أو توجيه اللوم له وبكى رئيس الوزراء اللبناني وقتها على حال لبنان ولم يجرؤ أن يوجه اللوم للحزب. أما هذه المرة فقد كانت أصوات أحرار لبنان واضحة وفاعلة وسموا الأشياء بأسمائها الحقيقية وانتقدوا ما قام به الحزب وبصوت مرتفع ولم يعد هناك خوف من انتقاد صبيانية الحزب ورعونته تجاه لبنان واللبنانيين.
اعتاد حزب الله على مخاطبة اللبنانيين باستكبار وعنجهية واستخدم ميليشياته ليفرض على الحكومة اللبنانية ما يريد. لم يتعاون في التحقيق ي قضية اغتيال رفيق الحريري أو في قضية انفجار المرفأ وأعاق انتخاب رئيس للجمهورية من خلال تمسكه بمبدأ مرشحنا أو لا أحد ونشر ميليشياته في الشوارع وقمع ثورة الشباب اللبناني في أكتوبر 2019 واعتصم في الشوارع إلى حين تشكيل حكومة على هواه.
لقد عاش اللبنانيون الوطنيون حالة غضب من حكومة بلادهم بسب سكوتها وصمتها على تصرفات حزب الله. وقد كانت حكومات لبنان طوال الأربعين سنة الماضية عاجزة وضعيفة أمام سطوة الحزب ونفوذ إيران. لقد مر على لبنان مسؤولون كبار بينهم رؤساء جمهورية كانوا يشكلون الغطاء والحماية للحزب وسلاحه وكان لهم دور في تقويته على حساب السيادة الوطنية وحقوق الشعب اللبناني. من أمثلة ذلك أنه في عام ألفين وستة وقبل حرب تموز قال الرئيس اللبناني وقتها أن نشر الجيش اللبناني في الجنوب يخدم إسرائيل.
أراد الحزب أن يسيطر على لبنان لكنه لم يكن في عجلة من أمره فقد أراد تحقيق أهدافه بالتقسيط ولم يكن يخفي تلك الأهداف بحسب أدبياته التي كانت تدعو إلى إقامة جمهورية إسلامية في لبنان تكون تابعة لولاية الفقيه. أما الآن فإن هذا الحلم تبخر نتيجة لهذه الحرب وبات منوطا بالشعب اللبناني أن يمسك بهذه الفرصة التاريخية التي لن تتكرر أبداً من أجل حماية لبنان قبل فوات الأوان.
لقد كان صعبا للغاية على حكومات لبنان وجيشها أن تقتلع حزب الله أو أن تكسر نفوذه وإن كانت تتمنى لو أنها تقدر على ذلك وتعيد بسط سيادتها على أراضيها. لكن حزب الله في هذه الحرب فتح الباب لتحقيق هدف الشعب اللبناني في استعادة سيادته على أرضه نتيجة للحرب التي أسقطت الحزب وكسرت شوكته برغم ادعاءاته وادعاءات أنصاره بعكس ذلك.
الآن فرصة الدولة للبنانية في استعادة سيادتها وسلطتها على كامل التراب اللبناني باتت ممكنة وانتخاب رئيس للجمهورية اصبح ممكنا أيضا ليعود لبنان إلى درب الحياة الطبيعية وبخاصة أن الحزب قبل باتفاق الهدنة الذي يؤكد على تطبيق القرار الدولي المتضمن تجريد الحزب من سلاحه وهو هدف يتوق إليه الشعب اللبناني وقواه السياسية. ولم يعد الحزب قادرا على فرض ما يريد على الشعب اللبناني وأقر بقبوله أن يكون تحت سقف الطائف وتحت سقف الدستور.
لكن هناك مخاوف جدية من انكفاء الحزب إلى الداخل وإشعال حرب أهلية وهنا يكون دور الجيش اللبناني في السيطرة على الموقف وعلى لبنان أن لا يخطى الخطأ القاتل الذي ارتكبه رئيس وزراء سابق في أوائل السبعينات عندما رفض استخدام الجيش في فرض الأمن والنظام ومن يومها لم يسعد لبنان بيوم من السلام.
الآن تغير الحال وحان الوقت للصحوة واليقظة وبدء يوم جديد في لبنان. حان الوقت لكي ينهض لبنان مجددا حيث الشرعية الدولية وكذلك الدعم العربي الآن مع الدولة اللبنانية لاستعادة سيادتها كاملة وممارسة سلطاتها ومنع حزب الله من إعادة دويلته إلى الحياة.
يحتاج لبنان الآن رئيسا قويا مؤمنا بسيادة لبنان وحريته وانتمائه العربي قادرا على مواجهة التحديات ليعود لبنان إلى توازنه السياسي في الداخل وتوازنه الإقليمي في علاقاته الخارجية ويتمكن من الوقوف في وجه الأطماع الإيرانية ويحمي رسالته ويصون أجياله.

أحدث المقالات