27 نوفمبر، 2024 9:27 ص
Search
Close this search box.

بين الجمر والوجع – صراع الهويات والموت الرمزي

بين الجمر والوجع – صراع الهويات والموت الرمزي

قراءة في قصيدة : اسكافي عفك – للشاعر : كزار حنتوش – العراق .
القصيدة :

اسكافي عفك

كزار حنتوش

 

يا من اسرفت بأكل الجمر على ريب

وغصصت بجرعة ماء

لم لم تبتلع الياء

من اسم الحاج كليب

ولماذا لم تلثم كف زعيم الشورجة

وجها لقفا

وتناديه أيا عم اغثني

لم تجد فتيلا كل قصائد ابن الريب

ولماذا يا ذئب السبعينات تظل وحيدا تعوي

ما من احد قال الحال سواء

سيضيع الصوت رويدا

وتموت شريدا

كمغن نهر بويب

يا اسكافي عفك

يا طالب تمر شثاثة

يا سيف خلف

 

راح العرس وناح الطرس ولاح الشيب

 

كانت في الشام لنا نخلة

قصوا كل جدائلها

كانت خلف مدينة عبادان لنا قرية

قلبوا عاليها سافلها

والان خرجنا من مكة

لم نربح بيعا كصهيب

انت الان كما انت

لا شق نواة في الجيب

لا لمع دوانيق في الغيب

ضاقت دائرة الفلسين عليك

اختر عما لم ينزل من صلب الجد وغن

للشر وانت بعيد

تقول العيب ..العيب ..العيب …العيب

ثبرت العالم بالعيب

بكم تشرى الاوقية في سوق مريدي من هذا العيب .

القراءة :

القصيدة / اسكافي عفك / للشاعر كزار حنتوش هي نص شعري معقد وذو طابع تجريبي يتناول قضايا اجتماعية، سياسية، ووجودية في سياق ما بعد الحداثة. القصيدة لا تتبع هيكلًا شعريًا تقليديًا، بل تعتمد على صورة شعورية مبللة بالرمزية واللغة المكثفة التي تعكس التوتر الداخلي للعالم العربي في فترات حاسمة من التاريخ. نلاحظ أن هناك أبعادًا متعددة في القصيدة يمكن استكشافها من خلال قراءة نقدية معمقة.

1. البنية الرمزية:

القصيدة مليئة بالرموز التي تحمل دلالات غنية. على الرغم من أن القصيدة قد تبدو وكأنها سرد شخصي أو موحد، إلا أن الرمزية تشبع النص وتعطيه طابعًا سياسيًا وثقافيًا يمتد إلى مستوى الوجود البشري. على سبيل المثال : أكل الجمر: في الثقافة العربية، أكل الجمر هو استعارة للألم والمعاناة التي لا تنتهي. الجمر يشير إلى المعاناة المذلة التي يفرضها الواقع، سواء كانت اقتصادية، سياسية أو اجتماعية. وعليه، يمثل الأكل المجازي للجمر نوعًا من القبول بالمعاناة أو الاضطرار إلى تحمل الألم. غصصت بجرعة ماء : هذا الصراع بين الجمر والماء يُظهر حالة من التناقض؛ الماء هنا يُفترض أن يكون مرادفًا للراحة والشفاء، لكن رغم ذلك، تظل هذه الجرعة ضئيلة وغير قادرة على منح الشفاء أو الراحة. يظهر هذا التوتر بين التوق للراحة والمقاومة لليأس. لم لم تبتلع الياء من اسم الحاج كليب: يشير هذا المقطع إلى فقدان الهوية أو تغييبها في إطار السياسة أو التاريخ. / الياء/ قد تكون رمزًا للمجتمع أو الهوية الشخصية التي لا تستطيع أن تستمر أو تتجسد كما يجب. اسم / الحاج كليب / هو إشارة تاريخية وثقافية تمزج بين العناصر الشعبية والرمزية، وفي ذات الوقت تحيل إلى أبعاد اجتماعية وسياسية معينة. هذا التساؤل حول / لماذا لم تبتلع الياء؟ / قد يعني أن ثمة نقصًا في التفاعل مع التاريخ أو مع الرموز الدينية والشعبية التي يتوقع أن تكون جزءًا من بناء الهوية. يا ذئب السبعينات: هذه العبارة تحمل إشارة إلى فترة السبعينات التي كانت مشحونة بالتحولات السياسية في المنطقة العربية، مثل الثورات، الانقلابات، والحروب. / الذئب / في هذا السياق يشير إلى القوة التي تحكم في الظل، شخصية تسعى لتحقيق أهدافها بينما تغيب في العلن، في وقت كان فيه الوضع السياسي في المنطقة متأزمًا للغاية. تموت شريدا كمغن نهر بويب: هذه الصورة تلمح إلى أن الصوت الجريح أو النضال المنهك يضيع تدريجيًا، مثلما يضيع مغني النهر في جو من الخراب والفراغ. نهر بويب يشير إلى مكان تاريخي، وهو يعكس بشكل رمزي التداعي والدمار الذي طال المنطقة العربية.

2. التمرد على القيم التقليدية والهويات:

الشاعر يعبر هنا عن حالة من الرفض التام للقيم والرموز التقليدية، وهو يقيم نوعًا من الممارسة النقدية للتراث الشعبي والذهني. / يا اسكافي عفك / هو خطاب موجه لشخص، ربما يمثل الفرد العادي الذي يظل مشغولًا بتفاصيل حياته الصغيرة بينما يعجز عن التأثير في الواقع الأوسع. فالشاعر يهاجم التقاليد التي تُفرض على الناس ويحث على الثورة ضد الهيمنة الثقافية والاجتماعية التي تقيد الحرية الفردية. /راح العرس وناح الطرس ولاح الشيب/ هذه الجملة توضح أن الاحتفالات والمناسبات الاجتماعية الكبرى قد اختفت أو انتهت، في إشارة إلى تقادم الزمن وتغير الأحوال. الشيب هنا يعكس تحولًا قاسيًا في الزمن، ويمثل خسارة مستمرة للآمال والطموحات التي كانت في وقت من الأوقات جزءًا من حلم جماعي.

3. الحروب والتهجير والهويات المبعثرة:

قصيدته تحمل أيضًا إشارة إلى التهجير والحروب. /كانت في الشام لنا نخلة/ تمثل بداية الحلم الذي تم تدميره من قبل القوى السياسية، حيث فقد الناس امتيازاتهم الروحية والعاطفية بمرور الزمن. نخل الشام كان رمزًا للسلام، ولكن تم قصه ونهبه. في هذا السياق، يشير الشاعر إلى الانكسارات التي طالت الجغرافيا والتاريخ العربي بشكل عام. كان خلف مدينة عبادان لنا قرية: هنا يشير حنتوش إلى مكان ذي معنى تاريخي وثقافي خاص. مدينة عبادان تمثل التغيير الاقتصادي والسياسي في المنطقة، حيث كان لها مكانة اقتصادية في إيران والعراق في فترة سابقة. الآن خرجنا من مكة: مكة في النص تمثل مركزًا دينيًا، ومع خروج الشاعر من مكة يتأثر سياق الهجرة الروحية والوجودية، بما يشير إلى فقدان البوصلة الدينية والروحانية في ظل ظروف عيش قاسية وممزقة.

4. التعالي والتشكيك في القيم الاجتماعية والسياسية:

/ العيب.. العيب.. العيب/: التكرار المكثف لكلمة / العيب / يشير إلى الاحتجاج على الانحرافات الأخلاقية والسياسية في المجتمع. الشاعر هنا يعبر عن التوتر الذي يعيشه الفرد بين العيب كقيمة اجتماعية وبين التحدي المستمر لهذه القيم التي تحكمت في المجتمع العربي لعقود. يطرح سؤالًا عن مدى جدوى تلك القيم في عالم يعج بالفوضى والظلم.

5. الخاتمة:

القصيدة لا توفر أجوبة حاسمة، بل تترك المجال مفتوحًا لتفسير متعدد ومركب. الشاعر يستخدم الأدوات الرمزية والتاريخية ليخلق صورة شعرية معقدة عن الفقدان والهويات المبعثرة في ظل الأزمات السياسية والاجتماعية. القيم التي يشير إليها حنتوش ليست ثابتة، بل هي في حالة تطور وتغير مستمر، مما يعكس مشهدًا من التيه والحيرة في لحظة تاريخية حساسة.

أحدث المقالات

أحدث المقالات