25 نوفمبر، 2024 6:33 ص
Search
Close this search box.

مهزلة العقل العراقي ( 2-3 ) الاقتصاد المستقل

مهزلة العقل العراقي ( 2-3 ) الاقتصاد المستقل

في الجزء الثاني من سلسلة مقالاتنا هذه سنتحدث عن الجانب الاقتصادي من علاقة إقليم كردستان بالحكومة الاتحادية وهي علاقة مرت ومازالت تمر بأزمات مفتعلة وتشوبها صفقات مشبوهة ومصالح متبادلة وفساد مشترك في العديد من قطاعات الاقتصاد الوطني .

فمن المعروف أن قرار محكمة باريس الذي صدر قبل عامين أوقف تصدير النفط الكردي عبر ميناء جيهان التركي واستنادا عليه أمرت الحكومة الاتحادية بدورها بوقف التصدير بالكامل خارج اطار شركة ( سومو ) النفطية العراقية ، ومازالت المفاوضات تجري بين الطرفين دون وجود أية بوادر تشير إلى حسم هذه القضية التي طالت الخلافات حولها أكثر من اللازم .

فالخلافات النفطية بين أربيل وبغداد هي خلافات قديمة قدم تأسيس الحكومة الاتحادية عقب سقوط النظام الصدامي . وجرت جولات متعددة من المحادثات دون التوصل إلى إتفاق مشترك وكل ذلك بسبب تمسك حكومة الإقليم بعنادها وحقها في التصرف بالعوائد النفطية رغم أن الدستور العراقي ينص وبشكل واضح على أن النفط ملك للعراقيين جميعا . وهذا النص أهمل تماما من قبل حكومة الإقليم التي ترى نفسها صاحبة النفط المستخرج من أراضي الإقليم وخططت منذ عشر سنوات لسياسة مستقلة في التصرف بالنفط الكردي بمعزل عن الحكومة الاتحادية ولكن هذه السياسة فشلت تماما في تحقيق النتائج المرجوة منها وفي مقدمتها تحقيق الرفاهية للمجتمع واستثمار العوائد من أجل انهاض كردستان ، فكل الذي حصل أن هذه الثروة ذهبت إلى جيوب عدد قليل من أصحاب السلطة ومتنفذيها بالاشتراك مع بعض الشركات الأجنبية التي تدفقت للعمل في المجال النفطي بكردستان ، والاستثمارات النفطية من قبل هذه الشركات قدمت كهدية ورشوة لبعض المساهمين والمتعاقدين أو أصحاب الشركات المقربة أو المحسوبة على أنظمة الحكم في بعض الدول الكبرى وأكثرهم من جنرالات الجيش الأمريكي السابقين والعاملين في العراق .

طالبت بغداد في البداية بتسليم 400 ألف برميل من النفط إلى شركة التسويق العراقي ( سومو ) ولكن أربيل امتنعت عن ذلك تماما . فاضطرت الحكومة الاتحادية إلى تقديم تنازلات مشينة ، فخفضت الكمية إلى 250 ألف برميل ثم إلى 100 ألف برميل ولكن حكومة الإقليم عاندت وامتنعت تماما عن تسليم ولو برميل واحد من نفطها ومازالت على عنادها ما ألحق ضررا كبيرا بميزانية الدولة العراقية ، ومن جهة أخرى عمقت الأزمة المالية في كردستان لأن بغداد عاقبت الإقليم بوقف صرف حصتها من الميزانية ما خلق أزمة حادة في تأمين رواتب موظفي حكومة الإقليم . فبدلا من أن تمارس الحكومة الاتحادية وعبر اللجوء إلى القانون للضغط على حكومة الإقليم بتسليم النفط ، عاقبت الشعب الكردي بوقف دفع رواتب موظفيه . ومازالت هذه الأزمة أيضا مستمرة .

كان من الممكن حسم هذه القضية من خلال تشريع قانون النفط والغاز من قبل البرلمان العراقي ، لكن حكومة الإقليم والحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم الذي يدير هذه الحكومة منذ أكثر من عشرين سنة كان يعرقل تمرير جميع المشروعات المعدة للقانون الذي ظل مركونا في رفوف البرلمان لحد اليوم .

وكما أسلفت فإن قرار المحكمة الدولية والحكومة الاتحادية أوقفت بشكل كامل تصدير النفط الكردي ، ولكن في الحقيقة فإن التصدير لم يتوقف ولو يوما واحدا ، فحكومة الاقليم تصدر حسب بعض المصادر ما يزيد عن 200 ألف برميل عن طريق التهريب ( القجغ ) باللهجة العراقية .وهذه الكميات تصدر بالشاحنات إلى دول الجوار أو عن طريقها إلى دول أخرى ، وهذا التهريب جار على قدم وساق بعلم وصمت مطبق من الحكومة الاتحادية التي عجزت وتعجز ولو عن سؤال حكومة الاقليم كيف تجيز لنفسها مخالفة قرار الحظر دون أي مبالاة بالإجراءات القانونية المترتبة عن تلك المخالفة الواضحة ؟.

الحديث عن الانتهاكات الفظيعة لحكومة الاقليم لقرارات الحكومة الاتحادية يطول كثيرا ، ولكن ما يهم أن نشير إليه بهذا الصدد أن العوائد المتأتية من التهريب اليومي لهذه الكميات الكبيرة من النفط الكردي لا يدخل دولار واحد منها إلى خزينة حكومة الاقليم . فرواتب الموظفين تأتي كما هو معروف شهريا من بغداد والعوائد المحلية لا تسلم إلى بغداد وبهذا تجلس حكومة الاقليم على مقعد وثير دون أي مبالاة بما يعاني الشعب الكردي من الأزمات المالية وركود الأسواق وهمها الوحيد هو الاستحواذ على عوائد النفط بهدف إثراء أعوانها وإرضاء أصدقائها من المساهمين في الشركات الأجنبية !.

والغريب في الأمر أن الحكومة الاتحادية سكتت طوال السنوات الماضية حتى عن تصدير النفط الكردي إلى إسرائيل والتي يعتبرها العراق كيانا غاشما محظور إقامة أي نوع من العلاقة معها ؟!.

ليس قرار المحكمة الاتحادية في ما يتعلق بوقف تصدير النفط هو الوحيد الذي ينتهك من قبل حكومة الإقليم ، بل هناك العديد من قرارات هذه المحكمة العليا لا تنفذ في كردستان لعل أهمها القرار الصادر بشأن توطين رواتب موظفي الإقليم ، فالحكومة هنا أنشأت حسابا بنكيا بمساهمة عدد من البنوك الأهلية التابعة لأعوان السلطة كبديل للمصارف الحكومية ( الرشيد والرافدين والتجاري ) في تحد واضح لقرار المحكمة الاتحادية وما زالت إلى اليوم تمتنع عن توطين رواتب الموظفين كما نص قرار المحكمة العليا .

هذه التصرفات غير القانونية تواجه بصمت ولا مبالاة الحكومة العراقية من كل هذه الانتهاكات الفظيعة للقانون العراقي من قبل حكومة الإقليم . فالمسألة كما يقال فيها ( إن ) والله أعلم . والسلام .

أحدث المقالات

أحدث المقالات