قبل خمسون سنة من الان كانت المشراگة في قريتنا جنوب الموصل جميلة جدا وخاصة في فصلي الخريف والربيع حيث كنا نذهب الى اطراف القرية والتي تسمى(( بمشاع القرية)) نجلس هناك على بقعة خضراء من العشب والشمس المعتدلة فوقنا ومنظر الطبيعة بوديانها وتلولها ومرتفعاتها يسر الناظرين وانت ترى الفضاء الخارجي للقرية فمن هناك الطريق الذي يؤدي الى نهر دجله وكنا نسميه درب ((الملايات)) حيث يذهب فيه الناس الى النهر لجلب المياه الصالحة للشرب من نهر دجلة والتي كنا نسميها ((الفراه))…
وانت تنظر يمينا ويسارا لترى هناك رعاة الغنم وهم يرعون اغنامهم في البراري الخاصة للقرية…
مناظر طبيعية جميلة جدا وكثيرة يمكن قد طوى الزمان في صفحة النسيان عدد كبير منها ولكن ما بقي في الذاكرة من خزين لا يمكن نسيانه فهل استطيع ان انسى ذلك المجرى المائي في الوادي تحت القرية والذي كنا نسميه
(( السحل)) والذي كانت تفوح منه رائحة النعناع البري ومجرى الماء فوق الصخور منظر اصبحنا نتمنى ان نشاهده كل يوم.. كانت هناك فوقه تلك التلة القريبة من القرية نجلس فيها ساعات الضحى وكنا نسميها المشراگة اما كبار السن من الرجال والعجائز من النساء فانهم يجلسون داخل سياج منازلهم الرئيسية وفي الفضاء المفتوح… تضربهم اشعة الشمس وهي تمنحهم الصحة بدون اي مقابل.
يتكلمون فيما بينهم عن احوالهم وعن الطبيعة الخلابة ويتكلمون فيما بينهم عن ظروفهم المعاشية رغم قساوتها معهم لا انهم لايعرفون التذمر ابدا.. كانوا يحمدون الله ويشكرونه على كل شيء رغم كل الفقر والجوع الذي كان ملازماً لهم الا انهم كانوا اشداء اقوياء صابرين ينتظرون رحمة السماء حتى تغيثهم بالامطار وتنمو حقولهم الزراعية ويأتيهم موسم حصاد جديد يجمعون فيه من القمح ما يسد احتياجاتهم من مادة الطحين وكذلك يجمعون محصول الشعير لسد حاجة الاعلاف لحيواناتهم ومواشيهم التي غالبا ما يعتاشون عليها….
كانت المشراگة جميلة جدا واجمل شيء فيها تلك الاجواء الصافية والنقية واللقاء مع اي شخص سوف يكون له منزلة خاصة…
الله يا تلك الليالي… الله يا تلك المشراگات..
وهانا اليوم ومن داخل مدينة الموصل ومن منطقة موصل الجديدة بالتحديد احييكم من هذه المشراگة وانا اجلس فوق هذا الكرسي وانظر الى السيارات التي تمر امامي والناس التي تذهب وتأتي من الاسواق محملة بموادهم المنزلية التي جلبوها من اصحاب المحلات الموجودين في الاسواق الرئيسية…
لقد تغير كل شيء حتى المشراگة اصبحت اليوم تعيش مع الضجيج ومع العصرنة التكنولوجية وانت يمر من امامك السيارات وتسمع ضجيج اصواتها التي تحرمك من الاستمتاع بهذه المشراگة الجميلة..
رحم الله ذلك الزمان الذي كنا نعيشه في تلك القرية الريفية في منطقة جنوب الموصل… ورحم الله زماننا هذا الذي نعيشه داخل المدينة وشتان ما بين الاثنين بين ان تعيش قروي حر طليق في الارياف وبين ان تعيش مقيد بين شوارع وطرقات المدينة رقم حداثتها.. ومع هذا وذاك نقول الحمد لله على هذا وذاك…..
༺༺༻༺༻༺༻༻
المشراگه گبل طيبه بمحلها
راحت ياوكت هيا واهلها
اشكثر طيبه بربيع العرب غادي
طيبه ياوكت ماچنت أملها
تضربنا الشمس وندور افياي
وتسألني الليالي اسو لفلها
احچي من گبل چنا بعيدين
واحچي عالربيع ودوم أگوللها
تسولف عالسياره وكهرب وتبريد
وطاسه من الشنينه تسوى كلها
وداعا ياعمر ما ظن تشوف افياي
ومشراگة عربنا كون اصلها
༺༺༻༺༻༺༻༻