26 نوفمبر، 2024 6:53 م
Search
Close this search box.

اخلاقيات حسن الجوار

اخلاقيات حسن الجوار

ليس في صدد جوار الناس بيت لبيت هذا الحديث انما هو كذلك على سبيل المجاز اذ نريد به اصطلاحا لعلاقات جوار Neighborly relations وهو من مصطلحات السياسة والدبلوماسية كما هو واضح. فالبيت هنا مجتمع ودولة، والدولة تجاور دولة وما بينهما علائق بحكم الواقع والضرورة، والواقع يمكن ان يصير تاريخا وجغرافية، والضرورة يمكن ان تصبح حياة وتعايشا، ومن ذلك اشتق مصطلح سياسة حسن الجوار Good NeighborPolicy، وبهذا المفهوم تعمل الدول المتجاورة في القارات والاقاليم على نحو عام، ولكن هل هذه المفاهيم خاضعة لقواعد القانون الدولي ام لاساسيات القيم والاخلاق العرفية في جانبها الايجابي المشترك بين المتجاورين ام انه يتأثر بالاثنين معا او يخضع لهما؟
قد يتبادر الى الذهن تساؤل عن غائية هذا التوجه، وهذا محتمل وصحيح معا، وانا لا اكتم قارئ القول ان ما ابحث عنه هو ماذا يخل بحسن الجوار او لماذا يتعرض حسن الجوار للخل؟
في المستوى النظري العام، لا بأس ولا ضير وفي المستوى العملي المحقق، لا بأس ولا ضير ايضا، انما المهم هو الوصول الى شيء مقنع او الحصول على شيء عام ومفيد، فنلندا الصغيرة بجوار روسيا اكبر دولة في اوربا، اللوكسومبورغ وسط غربي اوربا المدججة بالتاريخ والحروب والاقتصاد، قبرص وسط بحر محاط بدول متنافرة، جنوب شرقي اسيا ثم شرقيها، دول جوار مختلفة سياسيا ومتكاملة جغرافيا او متداخلة تاريخيا، جوار من نوع التفاوض في الكوريتين او شبه القارة الكورية او شبه الجزيرة الكورية، ثم جوار اليابس فقط Enclave دولة محاطة بدول من جهة البر وليس لها ساحل يجري، ثم دولة غنية وجوارها دول فقيرة او دول فقيرة تتقاسم القحط وشظف العيش.. الخ من انماط الجوار وانواعه المحصورة بصفة واحدة او اكثر، والاكثر هذه تعني ان الجوار لم يعد بسيطا بل مركب، وجوار الوطن العربي ليس كالجوار في الوطن العربي، هنا تبدأ مداخلتنا عندما يتحقق للقطر العربي ان يجاور قطرا عربيا وبلداً غير عربي في الوقت نفسه، ثم يجاور اكثر من قطر عربي واكثر من بلد غير عربي معا.
ان مفهوم علاقات الجوار وسياسة حسن الجوار بدأ يتصاعد في محتواه امام هذه المتغيرات، فهل يجمعها قانون واحد او سلوك واحد؟
لا نريد اجابة متسرعة او غير موثوقة انما نحتفظ بها حتى حين، فاذا كان الجواب باكثر من قانون واحد او باكثر من سلوك واحد فما هو مضمون التنوع هذا، وما هي امتداداته او حدوده التي ينتهي اليها او بها.
انني اعترف هنا ان كثيرا من المحاضرات والبحوث طرقت اسماعنا واخترقت اضواء عيوننا ولكننا لن نصل الى صيغة نظرية تستند الى تجربة عملية تدلنا على معنى علاقات الجوار وسياسة حسن الجوار بالمنظور الجمعي الدولي العالي الشامل، بل ان كلمة في هذا السياق ستكون بها حاجة الى تفسير مضاف او جديد، واكثر التراكيب الجميلة السياسية تداولاً هنا، عدم التدخل في الشؤون الداخلية للطرف الاخر- الجار، او احترام سيادة الطرف الاخر- الجار، او التعاون في شؤون (س) و (ص) و (ع) من تشكليات العلائق الدولية حسب الاتفاقات المعقودة بين الطرفين ومنع خرقها.. الخ، مع ذلك وبرغم ذلك تنشب خلافات بين الجارين تتطور الى نزاعات فمواجهات وصراعات مكلفة على صعيد الارواح والاقتصاد وغيرهما في هذه المنطقة او تلك، واذا اخضعنا اول، بيانات المواجهة او  الصراع المسلح مثلا او استنكار تصرف الجار او انذاره او الرد عليه بالمثل… نجده اقرب الى الاستجابة النفسية منه الى الاستناد القانوني وليس في ذلك خطأ او خطل انما اللافت للنظر في هذا الامر ان تطور الامور لا يعود الى الموضوعية الطبيعية بل يتخذ مسارا في الخندق السايكولوجي المباشر بخاصة في موضوعات رد الاعتبار والكرامة الوطنية وحرمة الارض وصيانة المقدسات… ثم نعود الى تحليل هذه المفاهيم هل هي مطلقة مشتركة المدلول بين الجميع ام هي نسبية يختلف الناس في رؤيتهم لها وتأثرهم بها ومنها على وجه المسؤولية المتقدمة قادة الامم ورؤساء الدول وزعماؤها حتى تنقشع الازمة بين الجارين، اذ اخر مثال عندنا هنا مثال الهند وباكستان وقبلهما ارتريا واثيوبيا ثم يعود الطرفان الى نقطة الصفر او نقطة الشروع التي تفجرت عندها الازمة، وكلا الطرفين يحصي ما لديه من دبابات، فلا يدان امامهما الا علاقات الجوار وسياسة حسن الجوار ملجأ وملاذا حتى بالمفهوم النسبي المختلف.
انها مشكلة معقدة فعلا ان يتمسك جار بالقيم الاخلاقية او القانون الدولي وينسلت الطرف الاخر منهما تحت ذرائع ليست عصية على من يريد تسخيرها لنياته المستترة وهذه مشكلة بلادي العراق، في الواقع مع جارتيه غير العربيتين المسلمتين وعلى غير اتفاق او تنسيق بينهما وبالاتفاق والتنسيق غير المعلنين في بعض الاحيان كما نحسه، فاذا لم يمنع نص قانوني محدد تركيا من دخول الاراضي العراقية بذريعة متابعة افراد يحملون السلاح ضدها، على شكل احترام سيادة العراق ووحدة اراضيه فأي (اخرى) وطنية او دينية او فلسفية تمنعها من ذلك؟ واذا لم تمنع الاخلاق الدينية والانسانية ايران من تسخير كامل قواه في التدخل بالشأن العراقي، فاي نص قانوني دولي يمنعهما من ذلك؟ لا نريد استنتاج الترجيح بين الاخلاق والقانون في علاقات الجوار الا يكونا معا في القلب الواحد.
[email protected]

أحدث المقالات