*لم أستغرب أبدا عن مدى العَلاقة الوثيقة والمعمقة التي وصلت مداها إلى أبعد الحدود بالتنمية الاقتصادية والرؤية المشتركة التي سوف يتم تطبيقها على أرض الواقع بكافة جوانبها عندما ردا شخصيا الرئيس ترامب على الاتصال الهاتفي من قبل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وعلى العكس كليا ومع الأسف الشديد من التصرف المراهق والصبياني من قبل الحكومة العراقية التي أصدرت مذكرة قبض بحق ترامب بأوامر إيرانية صريحة وواضحة التي سوف تكون دون شك تداعياتها وعواقبها وخيمة على العراق.
**الناخب الجمهوري عندما صوتوا لترامب اصبحوا يعتبرونه القوي الامين على عوائلهم وأحلامهم وآمالهم المستقبلية والذي سوف يعيد معهم امريكا حقآ الى عصرها الاقتصادي الذهبي.
سنحت لي فرصة اعتبارها قد عدّ محطة مهمة لي شخصيا في فهم نفسية وعقلية الناخب الأمريكي ومن خلال النزول إلى أرض الواقع والاحتكاك بالناخبين الديمقراطيين والجمهوريين على حد سواء وذلك من خلال مرافقتي لبعض الأصدقاء والمعارف أثناء ذهابهم للتصويت بمراكز الاقتراع الانتخابية . كان جل تفكيري ينصب في ايجاد طريقة لغرض بدا الحديث مع الناخبين الذي ينتظرون الأدلاء بصوتهم التي وصلت في بعض مراكز الاقتراع إلى ساعات من الانتظار ومن دون أن يشعروا من أسئلتي أي امتعاض او اثارة غضبهم وردة الفعل الذي قد تكون عنيفة من قبلهم , لأن الأوضاع كانت مشحونة ومتوترة وتنظر شرارة لغرض البدء بما لا يحمد عقباه . وجودهم كان لغرض التصويت ولكن سؤالي لهم كان مغاير وتمثل :”ما ذا لو لم يفز ترامب بهذه الانتخابات كما حدث في انتخابات عام 2020 ” استغربت جدآ من أجابتهم ,وتولد لي في حينها بعض القلق عندنا كانت اجابتهم متقاربة جدآ , وتكاد تكون متفق عليها مسبقآ ” بانهم لن يسمحو للديمقراطيين بسرقة هذه الانتخابات مرة اخرى كما حدث عام 2020 ” وكانت هذه العبارة تشعر بها كأنها معدة مسبقآ ومتفق عليها فيما بينهم , وخيلت لي بانها كانت مثل كلمة السر لساعة الصفر التي سوف تندلع معها شرارة اعمال الشغب والفوضى وتهديد السلم الاهلي المجتمعي الامريكي , وسنحت لي الفرصة كذلك , بالتحدث مع بعض ضباط الشرطة الذين كانوا متواجدين لحماية المقرات الانتخابية وبعضهم كان يتكلم العربية لانه من اصول عربية , حيث رأيت الفرحة والابتسامة على وجوههم بعد اعلان فوز ترامب , وبتقدمه بأصوات المجمع الانتخابي بـ “277” صوت وبادرتهم إلى السؤال وفتح حديث مجاملة :” الآن أراكم فرحين ومبتسمين بعد اعلان فوز ترامب وزوال اي خطرمن اعمال شغب وفوضى مثلما حدث قبل اربع سنوات” الجميع كانوا متفقين ومن خلال الحديث معهم وبما معناه :” انهم اخيرا تنفسوا الصعداء وزال خطر المواجهة التي كنا نتخوف منها ولا نعرف كيف سنتصدى لها من قبل انصار ترامب في حالة خسارته وما الذي سيفعلونه”.
نعتقد بأن الأصح يجب ان يقال , ونطلق صفة “الولايات المزاجية” وليس “الولايات المتأرجحة” كما هي جرد العادة على ذكر هذا المصطلح في وسائل الإعلام الامريكي , لان المزاجية النفسية والتقلبات في تفكير الناخب تنعكس بصورة مباشرة على من سوف يعطي الناخب صوته بين الحزبيين المتنافسين , فتراه اليوم مع الحزب الجمهوري , وفي انتخابات قادمة قد يصوت لمصلحة الحزب الديمقراطي , ولكن ليس عن قناعة تامة , وانما كنوع من التمرد او العقاب أو الغضب من السياسة الفاشلة التي قد ينتهجها كلا الحزبين بعد الانتخابات ,ولم تاتي وعود المرشحين الانتخابية على ما كان يامل منهم الناخب بتطبيقه حرفيآ على ارض الواقع قولا وفعلا , وبالأخص التي تمس واقع حياته الاجتماعية والاقتصادية والتعليم والصحة , وما لاحظته كذلك بأن الناخب الأمريكي لا يهتم في السياسة الخارجية , ولا حتى يعيرها اي اهتمام يذكر , بل على العكس ينفر منها ويصيبه الجنون حال سماعها وكانما يتلبسه الشيطان , ومن هذا المفهوم على مكتب الرئيس ترامب وحكومته , ان يدرك جيدآ بان فوزه بهذه الانتخابات وخسارة “هاريس” بالدرجة الأولى كانت نتيجة للسياسات الصبيانية الفاشلة في النهوض الاقتصادي للمواطن الامريكي , وانتشاله من حالة الفقر والعوز وبالاخص الطبقات الوسطى وفشل الكونغرس الامريكي بالوقوف بوجه هذه السياسات المتهورة الفاشلة ,أو حتى الحد منها , لذا اتى العقاب سريعآ ودون اي تردد من قبل الناخب , للمرشحة “هاريس” وقد يكون هذا العقاب ليس حبآ بترامب ولكن بغضآ ببادين وسياسته الفاشلة التي دفع الحزب الديمقراطي ثمنه خسارتهم للانتخابات.
الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين حتى أيران لم يقدموا التهنئة بفوز ترامب ولكن كان جل تركيزهم في بيناتهم الرسمية توضح بمجملها بأنه سوف ينتظرون ما سوف يصدر منه من قرارات على الصعيد السياسي والاقتصادي ويتعاملون معه خلال الأربع سنوات القادمة على هذا الأساس , إلا الحكومة العراقية فقد سارعوا بتقديم التهنئة له بالفوز وهي محاولة ميؤوس منها لتخفيف حدة غضبه على خلفية صدور مذكرة اعتقال قضائية بحقه , بعد أن أمر ترامب بشن غارة أميركية قرب مطار بغداد في 3 كانون الثاني 2020 لا ستهداف وتصفية كل من ” قاسم سليماني” و “ابو مهدي المهندس” حيث صرح رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان في 7 كانون الثاني 2021 بأنه “أصدرنا مذكرة قبض بحق ترامب ولن نتردد باتخاذ جميع الإجراءات القانونية بحقه ” لا نستبعد ابدا بان الرئيس ترامب قد يفرض عقوبات اقتصادية على العراق , وكذلك عقوبات على من إصدار مذكرة القبض المتمثلة محكمة وقضاة “مجلس القضاء الأعلى” وهناك شواهد تشير إلى أنه سوف يتم وضع قضاة وهيئات قضائية في القائمة السوداء لوزارة الخزانة الأميركية عقابآ لهم على صدور هذه المذكرة القضائية بحقه.
صحيح أنه قال سوف ينهي الحروب التي بدأتها إدارة بايدن وبالأخص بين أوكرانيا وروسيا , ولكن في المقابل يريد الرئيس بوتين ثمن لوقف هذه الحرب واقصى ما يستطيع فعله ترامب هو وقف تمويل اوكرانيا بالمال والسلاح وجعل الاتحاد الأوربي وحلف الناتو هم من يدفع الثمن والتمويل وليس دافعي الضرائب الأمريكيين , دون أن يتنظروا أي مقابل من أمريكا , وهذا مما سوف يولد ضغط مالي واقتصادي على حكومات الاتحاد الأوروبي مما سوف يشكل حالة من الضغط الشعبي على وقف هذه الحرب العبثية لان بعد مرور اكثر من سنتين ما تزال اوكرانيا تواصل القتال بفضل الدعم المالي والعسكري وليس بقوة الاقتصاد الاوكراني.
أيران لديها رهبة وخوف وترقب حذر من الرئيس ترامب لان قراراته غير محسوبة المخاطر وتحدث فجأة ومن دون سابق انذار أو حتى تمهيد في تفكيرها اليوم بتوجيه ضربة الوعد الصادق / 3 كما يصرحون في كل يوم بوسائل الاعلام و بالويل والثبور لإسرائيل ردا على القصف الصاروخي الأخير , فيجب عليهم إعادة حساباتهم اليوم , لان حقل إسرائيل يختلف عن بيدر ترامب وإذا تهور المتشددين وصقور الحرس الثوري بضرب إسرائيل , فهذا قد يعني بداية النهاية لنظام ولاية الفقيه ونهاية الفصائل الولائية المسلحة بالعراق واليمن ولبنان وسوريا التي تتخذها إيران كحائط صد لبرنامجها النووي.
الرئيس ترامب بلغته الحادة ومزاجيته المتقلبة والعقلية المسيطرة عليه هي عقلية الرجل الذي أتى من عالم المال والتجارة والاقتصاد , وليس من عالم السياسة والاعيبها ودهاليزها وغرفها المظلمة ومطبخ الدولة العميقة هو من يتحكم في بواطن الأمور من خلف الستار . فنظرته السياسية هي نفسها تترجم إلى نظرته الاقتصادية حيث ميزان الربح والخسارة هو المتحكم والفيصل في اتخاذ القرارات ولا لوجود في قاموسه منطقة رمادية وانما ابيض ام اسود معي ام ضدي ولا حتى أنصاف الحلول , وليس كما رأيناه في رئاسته الأولى , لذا سوف نراها تكون أكثر تشددا وحسما لجميع المواضيع العالقة والتي سوف تتركها ادارة بادين له ,وهذا ما اوضحه انطلاقًا من خطابه للناخبين اثناء اعلان الفوز بأصوات المجمع الانتخابي الذي أهله إلى استلام كرسي البيت الأبيض , وخص بالذكر في حديثه الأمريكيين العرب والذين صوتوا له بانه لن يخذلهم ويوفي بوعده لهم , وحديثه كذلك الطبقة المتوسط لتخفيض الضرائب وخلق فرص العمل وتوطين الصناعات الاستراتيجية وجعل مصانعها داخل أمريكا وليس خارجها , ولكن الطامة الكبرى والضربة القاضية ستكون اول ما يشعر بها بعد استلامه المنصب , هم ملايين المهاجرين غير الشرعيين , وطردهم واغلاق الحدود حتى يصل الامر لفرض عقوبات اقتصادية على المكسيك إذا حاولت , أو حتى مجرد التفكير بغظ النظر على الهجرة غير الشرعية واستخدام حدودهم الشمالية لعبور امن وميسر من دون أن يكون هناك أي إجراءات حقيقية على أرض الواقع لغرض منع هذه الهجرة غير الشرعية.
العرب الأمريكان عندما صوتوا إلى ترامب ليس حبا به ولكن كان بغض ببايدن ونائبته هاريس الذين وقفوا متفرجين على حرب القتل والتدمير في كل من غزة ولبنان فعرف ترامب كيف يستطيع أن يحصد أصواتهم بإعلانه صراحة بانه سوف يوقف هذه الحرب العبثية , ولكنه لم يقل لهم ما الثمن الذي سيدفعون إلى نتنياهو وكيف يستطيع تلبية مطالبته بتجريد سلاح حزب الله وجعله حزب سياسي فقط لاغير وإنهاء حركة حماس نهائيا و وقد يتطور الامر لفرض عقوبات اقتصادية على لبنان , مما يخلق لدى الرأي العام حالة من الغضب الشعبي اللبناني على حكومة تصريف الأعمال المؤقت بتنفيذ نزع سلاح الحزب , ويكون للجيش اللبناني كلمة الفصل بالجنوب , لقد راى الأمريكان العرب بتصويتهم لترامب بانه المخلص الموعود الذي سوف يملأها عدلا وقسطا بعد أن ملأتها ادارة “بادين” ونائبته “هاريس” جورا وظلما بسبب سياستهم الرعناء ووقوفهم متفرجين وكذلك تأييدهم غير المشروط على استمرار آلة القتل والدمار والخراب وسياسة الأرض المحروقة التي انتهجها نتنياهو وما يزال , والانتظار لحين ان يأتي اليوم الموعود و استلامه كرسي البيت الأبيض لغرض الاتفاق والتباحث ووضع الصيغ النهائية لانهاء كل من التنظيمات والأحزاب المسلحة في لبنان وفلسطين وبداية لشرق أوسط جديد يتناغم بصورة أو بأخرى مع رؤية مستقبلية لشرق اوسط جديد قابلة للتطبيق حسب نظرية نتنياهو التوراتية.