26 أكتوبر، 2024 8:33 م
Search
Close this search box.

القدوة في واقع التخلف – الجزء الثاني /المنقذ

القدوة في واقع التخلف – الجزء الثاني /المنقذ

قدوة النهضة:

من مشاكل المصلحين في احتلال مكان القدوة هي الكلام المباشر والصدق في تقديم الأفكار ونظرتهم إلى الحقيقة وتفصيل الأفهام وشرحها ورغبتهم بان ترتقي الأمة إلى حيث يكونون جزء من نهضتها لكن بيئة منظومة تنمية التخلف ستسفه وتقتل هؤلاء الأمل كأمر لا تتوقع غيره فالجهل ليس عدم العلم وإنما رفض التعلم والقناعة بما يملك من الانطباعات والخوف من انكشاف الجهل.

نهضة الأمة كانت بالرسالة، ورأينا النموذج الأقرب للوصف والفهم في سلوك الرسول، فلم تك حياة الرسول في الخوارق وإنما كانت حياة إنسان وأسرة كأي أسرة في عصرها، والله جعل حياة الرسول كذلك ليكون درسا لأمة من عيشه في حصار وقومه إلى عزوف قومه عن الاستجابة فالهجرتين، علاقته مع أزواجه وحبه الذي يجعل خديجة رض قدوة لسلوك النساء وتفانيها لتبقى تسكن فكر الرسول ووفائه، إلى القيادة ومعناها والتعامل الإيجابي مع أصحابه وزعماء المسلمين، هذه المحطات التي كتب فيها وقيل الكثير تعرف القدوة فحياة الرسول تمثل نموذجَاليقظة في دعوته والنهضة في قيادته وتحتاج أن تفهم ليس كتاريخ وإنما كسيرة قدوة تنظف ما ترسب علينا كأمة وراثة الرين الثقيل السميك بعدما رفع عن الأمة تكليف الاختيار لحاكمها، واضحى الحكام نموذجا للملوك يخشى بطشهم وشرهم مع الزمن إلى أن وصلت الأمة إلى وضعنا في زاوية نظر أخرى لما وصفنا في الجزء الأول.

الأمة والمنقذ:

الناس تميل إلى مداراة عجزها بالخوارق والمسلمون كغيرهم من الأديان (جميعا) نقلوا الأحاديث التي تتحدث عن ظهور المخلص وان اختلفوا في ماهيته وظرفه، راي ابن خلدون متقدم كثيرا لفهمه الإسلام وبعده عن هذه النظرة فالإسلام يرتكز على الإنسان وجهده وتفكيره وليس فكرة الخلاص بأنواعه، هذه الأحاديث والفكرة لا توافق جوهر الإسلام وفكرته في أن الإنسان له فطرة سليمة مهدية للنجدين وأن الإنسان له أهلية ومنظومة عقلية هي من تمتلك القرار في ماهية خلقها يحاسب الإنسان لمخرجاتهاوان للكون سنن يسير وفقها بذكائه فان خالفها خسر، فمجيء المخلص استلاب لهذه المنظومة العقلية وتشويه للغايات والذهاب إلى عبادة فكرة وجعلها محور الحياةومهمة الإنسان في عمارة الأرض. يظهر حاكم في الشرقأو الغرب فيقولون هذا المنقذ ويبنون في أذهانهم صورة له وطاعته، فان أخفق بخطأ تنقلب تلك الأمنية إلى انتقام وكأنه خدعهم ولم يخدعوا هم أنفسهم، أن النفوس المهزومة الفاقدة للعقلية السوية هي نفوس محبطة، وعندما يريد الإحباط بطلا فانه يصف ذهنيا إنسانا خارقا منزها، يسد عجزه وكسله وكل المشاعر السلبية فيه، فان لم يحقق هذا البطل المزعوم ما يفكر به المحبط فانه يتحول إلى أسوأ الناس وصفا ويعد عارا بعد فخر.

تمجيد الفرد القائد وتنزيهه ليس درسا من الرسول ص وسيرته، والناس تعمل لبلدانها فمن استثمر وهم الناس به لصالح بلده لم يخن عهد مع الناس لأنهم من وضعوه في صورة رسمها مرضهم ووعودا تنقذهم من هزيمتهم وانكسارهم هو لم ينطق بها أصلا.

المنقذ هو الفهم:

في سيرة الرسول ص إفهام للناس أن تتكل إلى فهم واقعها وتتعامل معه، والا لازال الله أية عقبة تظهر أمامالرسول وصحبه فلا تكون عمليا نموذج قدوة، وعندها سنقول إن ما نواجه يحتاج معجزة ونبي والظرف اقوى منا ونستسلم مضحين بإرادتنا وأهليتنا إلى الأبد، لقد جعل الله جل وعلا من سيرة الرسولe نموذجا لمسائل مهمة يتعامل معها الناس:

حمل القضية: فهم الرسول للرسالة ومعناها أنها تدعم أهلية الإنسان وما تنتجه المنظومة العقلية يوضحه مدحه لخلف الفضول في الجاهلية وأخذه بأسهل الأمور الصحيحة، كما أن أي باحث عن الحقيقة سواء كان مسلما أو غيره، يحمل فكرا دينيا أو علمانيا أو غيره، فهو سياتي بأفكار تخالف ما موجود لان فكره بمشكلة مجتمعه قاده لهذا فهو سيواجه الانتقاد والتسفيه وربما التخوين والتكفير، وقد يتعرض للاضطهاد وأصحابه وهذا ما حصل لرسول الله، وممكن أن يحصل لأي منا فنصبر ونصر على الاستمرار لحين تحقيق النصر  أو تتبدل القناعاتبالمراجعة والاختلاط.

التعامل مع العامة: التنظير وحده لن يخلق الثقة وإنما ما يوافق عقلية الجمهور من الظهور والشهرة وما يخاطب انطباعاتها وغرائزها كل في اتجاه اهتمامه وتكرار البسيط إلى الأبسط فالأبسط مما يستثير الغريزة ليشعرها بالاكتفاء لاحقا بدعاء أو رجاء أو عرض الأمل من خلال تفصيل الحدث بعاطفية  لا بعقلانية لان العقل للأمور وطرحها دوما هو ضد العقلية الغوغائية التي لديها هدف ما يدور حول العيش والاستقرار واستحصال الأشياء بلا جهد، لهذا فالقدوة ليس بالضرورة له أوصافالانطباعات عند الجمهور، بل أن حيرتهم أحيانا عندما حصل خلط الأوراق فيما يسمى الربيع العربي، جعلهم ينادون براس من انقذهم ليسومهم فراعنة سوء العذاب، وهذا التيه في البحث عن المنقذ وإحباط من يقومون بالثورات يجعلهم يأكلون بعضهم كما حدث في الثورة الفرنسية لتنتقل إلى دورات حياة متعددة في مرحلة إعادتها إلى الملكية بعد أن لم يك مانعا عند إمبراطور كنابليون أن يفكر بتوريث حكمه دون وجود هالة الحق الإلهي التي سادت أوربا الملكية لكن أسقطته الملكية التي تحولت للدستورية لتعود الجمهورية بنابليون الثالث الذي كأي عسكري يتوجه للحرب فيخسر في ألمانيا.

القدوة هو في المتميز في كل عمل لكن هذا ليس دائما في منظومة تنمية التخلف إذ عادة ما يزاح المتميز من قبل أناس تحركها غرائزها ولا يجد من يعينه لكل ما ذكرنا في متن المقال، فهو ليس المنقذ دائما في نظر الناس، لكن المنقذ غالبا ما يكون حلما فان أرادت تحقيقه بوضع أوهامها أحد ما أو مغامر يتصدى سترى كوابيس خيارها في الواقع وهذا لا يحتاج إلى مثال للناظر في عالمنا اليوم.

أحدث المقالات

أحدث المقالات