أوقفت سيارة تاكسي طراز كورونا 81- من آخر سيارات الموهانيكان – وقلت الى المقبرة الملكية رجاء …فأتخذ السائق مسارا غير معهود تجاه المقبرة الإنكليزية في الباب المعظم ولم انتبه الى الالتباس الذي وقع به السائق لأنني كنت متعبا وأخذتني سنة من نوم في أول سيطرة تقف طوابير السيارات أمامها بالعشرات لعرضها على جهاز – أبو التفلة – المسمى جزافا، جهاز كشف المتحجرات – عفوا – المتفجرات والذي تعاقد العراق على شراء الجهاز الواحد بـ25 ألف دولار مع ان سعر الواحد منها لا يتجاوز الـ 120 دولار فقط ، والقصة معروفة للجميع .
وبعد وصولنا الى مقبرة جنود الاحتلال البريطاني عام 1917و التي لم ولن تتعرض الى التخريب أو النبش أو النهب عام 2003 كما تعرض إليه المتحف العراقي في منطقة العلاوي ولا الى الحرق كما تعرضت إليه المكتبة الوطنية التي خسرت بهذا الفعل الشنيع 500 ألف كتاب ومليون وثيقة تؤرشف تأريخ العراق الحديث ، لم تتعرض مقبرة – أبو ناجي – الى السلب كما تعرضت له دار المخطوطات في شارع حيفا وووووو…المهم أيقظني السائق قائلا : وصلنا الى مقبرة الأسياد ..أيدك على عشرة آلاف دينار !! قلت ولكنني أريد مقبرة الملك الذي سحله العراقيون في قصر الرحاب وقتلوه مع أفراد عائلته برغم رفعه المصحف وليس مقبرة الغزاة المحتلين ….فقال عليك بعشرة آلاف أخرى وبعد مرورنا بسيطرة ثانية تقف عندها – نعاج العراق تحت أشعة الشمس اللاهبة بالمئات – نمت ثانية وتكرر المشهد وهذه المرة مع مقبرة الأتراك في منطقة العيواضية …قلت اريد المقبرة العراقية الملكية وليس الإنكليزية ولا التركية ..فذهب بي الى مقبرة الشيخ عمر ومن ثم الى مقبرة الغزالي ومن ثم الى مقبرة السهروردي ومن ثم الى مقبرة معروف الكرخي …وأنا ادفع واحشر في سيطرة تلو أخرى وأصحو من نومة لأ غط في أخرى ولسان حالي يردد قول الرصافي : ناموا ولا تستيقظوا ما فاز إلا النوم ..وختمت رحلتي بمعلومة – سخيفة – أصر السائق على التفوه بها برغم توتري الشديد قائلا –هل تعلم أن مقبرة وادي السلام في محافظة النجف هي اكبر مقبرة في العالم ..لقد دخلت موسوعة غينيس للأرقام القياسية ..قالها والابتسامة تعلو محياه .
قلت دول العالم تدخل الموسوعات بأكبر مصنع للطائرات ..أعلى ناطحة سحاب ..أضخم مستشفى. أسرع قطار ..اكبر مترو أنفاق .. أطول صاروخ فضائي … ووو ونحن ولأننا مفلسون ، ولأننا متناحرون ..فلابد أن ندخل غينيس من باب المقابر والمقابر فقط كوننا أحياء فوق الأرض أموات ..نزلت من السيارة بعد أن ألغيت وجهتي وإذا بي اسمع أول خبر يبث في نشرة أخبار التاسعة صباحا من جهاز المذياع بإحدى المقاهي الشعبية القريبة ( عثرت قوات الشرطة العراقية اليوم على عشر جثث مجهولة الهوية قرب مدرسة الحياة الابتدائية وهي موثوقة الأيدي ومعصوبة العينين وفي رأس كل منها آثار أطلاقات نارية تم إحالتها الى دائرة الطب العدلي ) فطأطأت رأسي وقلت :
إن القلوب إذا تنافر ودها ….. مثل الزجاجة كسرها لا يجبر .