السينما هي احدى لغات التواصل بين المجتمع والانسان فمن خلالها يمكن معرفة الكثير من الاحداث التي تجري في المجتمع بصورة مباشرة عبر العدسة لذا فأن السينما وسيلة ذات تقنية علمية عالية لمعرفة مدى ثقافة الافراد في المجتمع فأينما وجدت دور عرض سينمائية كثيرة معنى هذا ان هنالك قاعدة جماهيرية كبيرة تتابع كل جديد المعرفة والثقافة والفكر عن طريق الشاشة العريضة …..
فهنالك اختلاف شاسع بين الثقافة السينمائية وبين كل المجالات الاخرى المتعلقة بالابداع الانساني فالكتابة شعرا وقصة ومقالة اضافة الى محطات الاذاعة والتلفزة ودور النشر والطباعة بضمنها المؤسسات الصحفية التي تصدر المجلات والصحف كل هذه الاشياء في كفة والسينما في كفة اخرى وذلك يعود لهذه الاسباب …..
1- الكتابة بصورة عامة كالشعر والقصة والمقالة هي حالة فردية تنبع من ذاكرة المبدع وهذه الحالة غير ملزمة بأحداث تغير جذري للجمهور بل تحدث تغيرات على المستوى الابداعي لمن يمتلك حس وذوق عالم الكتابة مبدعين كانوا او افرادا عاديين .
2- محطات الاذاعة والتلفزة هي ايضا حالة فردية لكل محطة اذاعة سياستها الخاصة بها تحاول من خلالها تجميل الصورة وابرازها كمعجزة مرئية وسمعية لمن لا يستطيعون الخروج عن المألوف الذين يعتقدون ان هذا العالم هو الوحيد الذي يرضي رغباتهم وخير دليل على ذلك ان البعض يتابع محطات واذاعات معينة دون الاخذ بنظر الاعتبار ان هنالك مساحات شاسعة في هذا العالم يمكن التعرف فيه على ثقافات الغير لذا فالانسان العادي ينظر في زاوية ضيقة لهذا العالم بينما المثقف يتابع كل ما يجري في هذا العالم المرئي والسمعي اي كل تفكيره يصب في التنوع وبالتالي زيادة الوعي والادراك وهذا يعني التغيير في نمط الحياة .
3- دور النشر والطباعة والمؤسسات الصحفية قبل ثورة المعلومات والتكنولوجيا كانت الرائدة ولكن في هذا العصر اصبحت علامة بارزة لتأريخ عظيم من الابداع فالكتاب لوحده غير قادر على تغير المجتمع والفرد والاسرة لأنه يعتبر عبء ثقيل لمن لا يعلم القيم الثقافية والمعرفية ومثلها الصحف والمجلات فالفرد العادي ليس بأستطاعته ان يقرأ كتاب ويقلب صفحاته لساعات لأنه غير مؤهل وذلك يعود لأسباب متعلقة بالنشأ والبيئة المحيطة به بينما نحن المثقفين والادباء والمفكرين بأستطاعتنا ان نمضغ صفحات الكتاب في ساعات معدودة فهذه هي المتعة اننا قادرون على التعمق في الفكر والفلسفة والادب لأننا مبرمجون ابداعيا والاهم من هذا ثقافيا .
فأنا اتذكر سطور وخيوط من طفولتي حيث كان ابي العظيم يأخذني برفقته لدور العرض السينمائية في يوم اجازته حينها تعرفت على هذا العالم المتألق اضافة الى استضافته لي في طفولتي للدخول الى مكتبته هنا ما بين هذين العالمين تعلمت الكثير من الاشياء والامور اهمها ان الابداع الانساني يصنعه القلم على صفحات الصحف والمجلات والكتب بينما الثقافة تصنعها السينما وهذا اسمى مراتب الابداع فنحن المبدعون يجب ان نشكر الثقافة لأنها صنعتنا فالشاعر لن يكون شاعرا دون ان يكون مثقفا والكاتب والقاص والفنان التشكيلي يجب ان تتوفر صفة الثقافة في هؤلاء لكي يستحقوا هذه الصفة والتسمية …..
فالسينما هي روح حائرة تبحث عن ملجىء لمن يبحث عن حقيقة المجتمع فمما لا شك فيه ان السينما العربية والعالمية تملك لغة التواصل بين الانسان والمجتمع في اي بقعة من الارض ومحور الحديث هنا هو حول السينما العربية دون الدخول في متاهات ودهاليز السينما العالمية الامريكية والالمانية والايطالية والفرنسية والروسية فالسينما العربية يمكن تقسيمها الى عدة اقسام منها …..
1- السينما الخليجية التي تعتبر شحيحة في اعمالها وان وجدت فلا تملك ذاك الحس المرهف والذوق الرفيع .
2- السينما المصرية سينما ذات قاعدة جماهيرية واسعة ويمكن القول انها سينما عامة الناس تدون كل التفاصيل التي تحدث في المجتمع وفي اي المجالات سياسية كانت اواقتصادية اواجتماعية اي هي حاضنة لكل شيء يدونه عقل الكاتب دون الدخول في فلسفة السينما .
3- السينما اللبنانية انها السينما الناعمة وفي نفس الوقت فيها ملامح كثيرة من ثقافة الحرب فهي تجسد روح الفلسفة السينمائية صورة وصوتا ويمكن مقارنتها بالسينما الفرنسية حيث انهما يمتلكان ذات الحس الفني في التعاطي مع الواقع والماضي .
4- السينما التونسية والمغربية والجزائرية انها السينما الاروع والارقى على المستوى الابداعي والانساني فهي سينما ممنوعة من العرض في مجمل اعمالها لأنها تنقل الحدث بتفاصيلها الحية دون وضع معيار اجتماعي لقيم العادات والتقاليد التي تدير معظم المجتمعات العربية .
لذا دائما اقول ان من يتذوق السينما كلغة فهو بلا شك يمتلك وعي وادراك متكامل يكفي لكي يدخل في قوقعة الحياة في هذا العصر فالسينما حالة عامة وهذا هو الرائع فيها والجانب المشرق الذي يجب ان تترجم فلسفته للأجيال القادمة فما دام هنالك سينما فمعنى هذا ان هنالك روح وهذه هي ثورة الحضارة …..