5 أكتوبر، 2024 12:19 ص
Search
Close this search box.

التهمة الكيدية في حرق مكتبة الإسكندرية/7

التهمة الكيدية في حرق مكتبة الإسكندرية/7

الاسكندرية في كتاب معجم البلدان لياقوت الحموي

ذكر ياقوت الحموي عن الاسكندرية بعد ان استعرض نشأتها” لأهل مصر بعد إفراط في وصف الإسكندرية وقد أثبتها علماؤهم ودوّنوها في الكتب، فيها وهم، ومنها ما ذكره الحسن بن ابراهيم المصري قال: كانت الإسكندرية لشدّة بياضها لا يكاد يبين دخول الليل فيها إلّا بعد وقت، فكان الناس يمشون فيها وفي أيديهم خرق سود خوفا على أبصارهم، وعليهم مثل لبس الرّهبان السواد، وكان الخيّاط يدخل الخيط في الإبرة بالليل، وأقامت الإسكندرية سبعين سنة ما يسرج فيها ولا يعرف مدينة على عرضها وطولهاوهي شطرنجية ثمانية شوارع في ثمانية، قلت: أما صفة بياضها فهو إلى الآن موجود، فإن ظاهر حيطانها شاهدناها مبيّضة جميعها إلّا اليسير النادر لقوم من الصعاليك، وهي مع ذلك مظلمة نحو جميع البلدان. وقد شاهدنا كثيرا من البلاد التي تنزل بها الثلوج في المنازل والصحارى وتساعدها النجوم بإشراقها عليها إذا أظلم الليل أظلمت كما تظلم جميع البلاد لا فرق بينها، فكيف يجوز لعاقل أن يصدّق هذا ويقول به؟ قال: وكان في الإسكندرية سبعة حصون وسبعة خنادق، قال: وكتب عمرو بن العاص إلى عمر بن الخطاب، رضي الله عنه: إني فتحت مدينة فيها اثنا عشر ألف بقّال يبيعون البقل الأخضر وأصبت فيها أربعين ألف يهودي عليهم الجزية. وروي عن عبد العزيز بن مروان بن الحكم لما ولي مصر وبلغه ما كانت الإسكندرية عليه استدعى مشايخها، وقال:أحبّ أن أعيد بناء الإسكندرية على ما كانت عليه فأعينوني على ذلك وأنا أمدّكم بالأموال والرجال. قالوا: أنظرنا أيها الأمير حتى ننظر في ذلك. وخرجوا من عنده وأجمعوا على أن حفرواناووسا قديما وأخرجوا منه رأس آدمي وحملوه على عجلة إلى المدينة، فأمر بالرأس فكسر وأخذ ضرس من أضراسه فوجد وزنه عشرين رطلا على ما به من النخر والقدم، فقالوا: إذا جئتنا بمثل هؤلاء الرجال نعيد عمارتها على ما كانت، فسكت. ويقال: إن المعاريج التي بالإسكندرية مثل الدّرج كانت مجالس العلماءيجلسون عليها على طبقاتهم فكان أوضعهم علما الذي يعمل الكيمياء من الذهب والفضة، فإن مجلسه كان على الدّرجة السّفلى. وأما خبر المنارة فقد رووا لها أخبارا هائلة وادّعوا لها دعاوى عن الصدق عادلة وعن الحق مائلة، فقالوا: إنّ ذا القرنين لما أراد بناء منارة الإسكندرية أخذ وزنا معروفا من حجارة ووزنا من آجرّ ووزنا من حديد ووزنا من نحاس ووزنا من رصاص ووزنا من قصدير ووزنا من حجارة الصّوّان ووزنا من ذهب ووزنا من فضة وكذلك من جميع الأحجار والمعادن، ونقع جميع ذلك في البحر حولا ثم أخرجه فوجده قد تغير كله وحال عن حاله ونقصت أوزانه إلّا الزجاج فإنه لم يتغير ولم ينقص، فأمر أن يجعل أساس المنارة من الزجاج، وعمل على رأس المنارة مرآة ينظر فيها الناظر فيرىالمراكب إذا خرجت من أفرنجة أو من القسطنطينية أو من سائر البلاد لغزو الإسكندرية، فأضرّ ذلك بالروم فلم يقدروا على غزوها. وكانت فيها حمّة تنفع من البرص ومن جميع الأدواء، وكان على الرّوم ملك يقال له سليمان فظهر البرص في جسمه فعزم الرّوم على خلعه والاستبدال منه، فقال: أنظروني أمض إلى حمّةالإسكندرية وأعود فإن برئت وإلّا شأنكم وما قد عزمتم عليه، قال: وكان فعله هذا من إظهار البرص بجسمه حيلة ومكرا، وإنما أراد قلع المرآة من المنارة ليبطل فعلها، فسار إليها في ألف مركب، وكان من شرط هذه الحمة أن لا يمنع منها أحد يريد الاستشفاء بها، فلما سار إليها فتحوا له أبوابها الشارعة إلى البحر فدخلها، وكانت الحمة في وسط المدينة بإزاء المعاريج التي تجلس العلماء عليها،

فاستحم في مائها أياما. ثم ذكر أنه قد عوفي من دائه وذهب ما كان به من بلوائه. ولما أشرف على هذه الحمة وما تشفي من الأدواء وكان قد تمكّن من البلد بكثرة رجاله، قال: هذه أضرّ من المرآة. ثم أمر بها فغوّرت وأمر أن تقلع المرآة ففعل وأنفذ مركبا إلى القسطنطينية وآخر إلى أفرنجة وأمر من أشرف على المنارة ونظر إلى المركبين إذا دخلا القسطنطينية وأفرنج وخرجا منها فأعلم أنهما لما بعدا عن الإسكندرية يسيرا غابا عنه، فعاد إلى بلاده وقد أمن غائلة المرآة.

وقيل: إن أول من عمر المنارة امرأة يقال لها( دلوكة بنت ريّا)، وسيأتي ذكرها في هذا الكتاب في حائط العجوز وغيره. وقيل: بل عمرتها ملكة من ملوك الرّوم، يقال لها (قلبطرة،) وهي في زعم بعضهم التي ساقت الخليج إلى الإسكندرية حق جاءت به إلى مدينتها، وكان الماء لا يصل إلّا إلى قرية يقال لها كسا، والأخبار والأحاديث عن مصر وعن الإسكندرية ومنارتها من باب حدّث عن البحر ولا حرج، وأكثرها باطل وتهاويل لا يقبلها إلّا جاهل، ولقد دخلت الإسكندرية وطوّفتها فلم أر فيها ما يعجب منه إلّا عمودا واحدا يعرف الآن بعمود السّواري تجاه باب من أبوابها يعرف بباب الشجرة، فإنه عظيم جدا هائل كأنه المنارة العظيمة، وهو قطعة واحدة مدوّر منتصب على حجر عظيم كالبيت المربّع قطعة واحدة أيضا وعلى رأس العمود حجر آخر مثل الذي في أسفله، فهذا يعجز أهل زماننا عن معالجة مثله في قطعه من مقطعه وجلبه من موضعه ثم نصبه على ذلك الحجر ورفع الآخر إلى أعلاه ولواجتمع عليه أهل الإسكندرية بأجمعهم، فهو يدل على شدة حامليه وحكمة ناصبية وعظمة همة الآمر به. وحدثني الوزير الكبير الصاحب العالم جمال الدين القاضي الأكرم أبو الحسن علي بن يوسف بن إبراهيم الشيباني القفطي، أدام الله أيّامه، ثم وقفت على مثل ما حكاه سواء في بعض الكتب وهو كتاب ابن الفقيهوغيره: أنّه شاهد في جبل بأرض أسوان عمودا قد نقر وهندم في موضعه من الجبل طوله ودوره ولونه مثل هذا العمود المذكور، كأن المنية عاجلت بالملك الذي أمر بعمله فبقي على حاله.

قال أحمد بن محمد الهمذاني: وكانوا ينحتون السواري من جبال أسوان وبينها وبين الإسكندرية مسيرة شهر للبريد ويحملونهاعلى خشب الأطواف في النيل، وهو خشب يركّب بعضه على بعض وتحمل الأعمدة وغيرها عليه، وأما منارة الإسكندرية فقد قدمنا إكثارهم في وصفها ومبالغتهم في عظمها وتهويلهم في أمرها وكل ذلك كذب لا يستحيي حاكيه ولا يراقب الله راويه، ولقد شاهدتها في جماعة من العلماء وكلّ عاد منا متعجبا من تخرّصالرّواة، وذلك إنما هي بنيّة مربّعة شبيهة بالحصن والصّومعة مثل سائر الأبنية، ولقد رأيت ركنا من أركانها وقد تهدّم فدعمه الملك الصالح ابن رزيك أو غيره من وزراء المصريين، واستجدّه فكان أحكم وأتقن وأحسن من الذي كان قبله، وهو ظاهر فيه كالشامة لأن حجارة هذا المستجدّ أحكم وأعظم من القديم وأحسن وضعا ورصفا، وأما صفتها التي شاهدتها فإنها حصن عال على سنّ جبل مشرف في البحر في طرف جزيرة بارزة في ميناء الإسكندرية، بينها وبين البرّ نحو شوط فرس وليس إليها طريق إلّا في ماء البحر الملح، وبلغني أنه يخاض من إحدى جهاته الماء إليها، والمنارة مربّعة البناء ولها درجة واسعة يمكن الفارس أن يصعدها بفرسه، وقد سقفت الدرج بحجارة طوال مركبة على الحائطين المكتنفين الدّرجة فيرتقى إلى طبقة عالية يشرف منها على البحر بشرافات محيطة بموضع آخر، كأنه حصن آخر مربّع يرتقى فيه بدرج أخرى إلى موضع آخر، يشرف منه على السطح الأول بشرفات أخرى، وفي هذا الموضع قبة كأنها قبة الديدبان وليس فيها، كما يقال، غرف كثيرة ومساكن واسعة يضل فيها الجاهل بها، بل الدرجة مستديرة بشيء كالبئر فارغ، زعموا أنه مهلك وأنه إذا ألقي فيها الشيء لا يعرف قراره، ولم أختبره والله اعلم به، ولقد تطلّبت الموضع الذي زعموا أن المرآة كانت فيه فما وجدته ولا أثره، والذي يزعمون انها كانت فيه هو حائط بينه وبين الأرض نحو مائة ذراع أو أكثر، وكيف ينظر في مرآة بينها وبين الناظر فيها مائة ذراع أو أكثر، ومن أعلى المنارة؟ فلا سبيلللناظر في هذا الموضع، فهذا الذي شاهدته وضبطته وكلّ ما يحكى غير هذا فهو كذب لا أصل له. وذكر ابن زولاق أنّ طول منارة الإسكندرية مائتا ذراع وثلاثون ذراعا وأنها كانت في وسط البلد وإنما الماء طفح على ما حولها فأخربه وبقيت هي لكون مكانها كان مشرفا على غيره. وفتحت الإسكندرية سنة عشرين من الهجرة في أيام عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، على يد عمرو بن العاص بعد قتال وممانعة، فلما قتل عمر وولي عثمان، رضي الله عنه، ولّى مصر جميعها عبد الله بن سعد بن أبي سرح أخاه من الرضاع، فطمع أهل الإسكندرية ونقضوا، فقيل لعثمان: ليس لها إلا عمرو بن العاص فإن هيبته في قلوب أهل مصر قوية. فأنفذه عثمان ففتحها ثانية عنوة وسلمها إلى عبد الله بن سعد بن أبي سرح وخرج من مصر، فما رجع إليها إلا في أيام معاوية”. (معجم البلدان1/186ـ 187).

الاسكندرية في كتاب آثار البلاد وأخبار العباد للقزويني (توفي عام 682 هـ)

ذكر القزويني” هي المدينة المشهورة بمصر، على ساحل البحر. اختلف أهل السير في بانيها: فمنهم من ذهب إلى أن بانيها الإسكندر الأول، وهو ذو القرنين (اشك بن سلوكوس الرومي)، الذي جال الأرض وبلغ الظلمات ومغرب الشمس ومطلعها، وسد على يأجوج ومأجوج كما أخبر الله تعالى عنه، وكان إذا بلغ موضعاً لا ينفذ اتخذ هناك تمثالاً من النحاس ماداً يمناه مكتوباً عليها: ليس ورائي مذهب. ومنهم من قال بناها الإسكندر بن دارا ابن بنت الفيلسوف الرومي، شبهوه بالإسكندر الأول لأنه ذهب إلى الصين والمغرب ومات وهو ابن اثنتين وثلاثين سنة، والأول كان مؤمناً والثاني كان على مذهب أستاذه أرسطاطليس، وبين الأول والثاني دهر طويل.

قيل: إن الإسكندر لما هم ببناء الإسكندرية، وكانت قديماً من بناء شداد بن عاد كان بها آثار العمارة والأسطوانات الحجرية، ذبح ذبائح كثيرة للقرابين، ودخل هيكلاً كان لليونانيين وسأل ربه أن يبين له أمر هذه المدينة هل يتم أم لا؟ فرأى في منامه قائلاً يقول له: إنك تبني هذه المدينة ويذهب صيتها في الآفاق، ويسكنها من الناس ما لا يحصى عددهم، وتختلط الرياح الطيبة بهوائها ويصرف عنها السموم، ويطوى عنها شدة الحر والزمهرير ويكعم عنها الشرور حتى لا يصيبها من الشياطين خبل، وان جلبت الملوك إليها جنودهم لا يدخلها ضرر. فأتى الإسكندر موضعها وشاهد طيب هوائها وآثار العمارة القديمة وعمداً كثيرة من الرخام، فأمر بحث الصناع من البلاد وجمع الآلة واختيار الوقت لبنائها، فاختاروا وقتاً وعلقوا جرساً حتى إذا حرك الجرس الصناع، يضعون البناء من جميع أطرافها في وقت واحد، فإذا هم مترقبونطار طير وقع على الجرس فحركه فوضعوا البناء. قيل ذلك للإسكندر فقال: أردت طول بقائها وأراد الله سرعة خرابها، ولا يكون إلا ما أراد الله فلا تنقضوها. فلما ثبت أساسها وجن الليل خرجت من البحر دابة وخربت ما بنوا، فلم يزل يحكمها كل يوم ويوكل بها من يحفظها، فأصبحوا وقد خربت. فأمر الإسكندرباتخاذ عمد عليها طلسم لدفع الجن، فاندفع عنها أذيتهم. قال المسعودي” الأعمدة التي للطلسم عليها صور وأشكال وكتابة باقية إلى زماننا، كل عمود طوله ثمانون ذراعاً، عليها صور وأشكال وكتابة، فبناها الإسكندر طبقات تحتها قناطر بحيث يسير الفارس تحتها مع الرمح. وكان عليها سبعة أسوار، وهي الآن مدينة كثيرة الخيرات، قال المفسرون: كانت هي المراد من قوله تعالى: وأوحيناإلى موسى وأخيه أن تبوآ لقومكما بمصر بيوتاً. وكان بها يوم الزينة واحتجاج موسى والسحرة. وكان موسى قبل الإسكندر بأكثر من ألف سنة. بها مجلس سليمان، عليه السلام؛ قال الغرناطي: إنه خارج الإسكندرية، بنته الجن منحوتاً من الصخر بأعمدة الرخام لا مثل لها، كل عمود على قاعدة من الرخام وعلى رأسه مثل ذلك، والرخام أبيض منقط بحمرة وسواد مثل الجزعاليماني، طول كل عمود ثلاثون ذراعاً ودورته ثمانية أذرع، وله باب من الرخام وعتبته وعضادتاه أيضاً من الرخام الأحمر الذي هو أحسن من الجزع، وفي هذا المجلس أكثر من ثلاثمائة عمود كلها من جنس واحد وقد واحد، وفي وسط هذا المجلس عمود من الرخام على قاعدة رخامية، طوله مائة وإحدى عشرة ذراعاً ودوره خمسة وأربعون شبراً، إني شبرتها بشبري. ومن عجائبها عمود يعرف اليوم بعمود السواري قريب من باب الشجرة من أبواب الإسكندرية، فإنه عظيم جداً كأنه منارة عظيمة، وهو قطعة واحدة منتصب على قاعدة من حجر عظيم مربع، وعلى رأسه حجر آخر مثل القاعدة كأنه بيت، فإن تحت ذلك من مقطعه وانتصابه ورفع الحجر الفوقاني على رأسه يدل على أن فاعليه كانوا في قوة شديدة، وكانوا بخلاف أهل زماننا. ومن عجائبها ما ذكر أبو الريحان في الآثار الباقية ان بالإسكندرية اسطوانة متحركة، والناس يقولون إنها تتحرك بحركة الشمس، وإنما قالوا ذلك لأنها إذا مالت يوضع تحتها شيء، فإذا استوت لا يمكن أخذها، وإن كان خزفاً أو زجاجاً يسمع تقريعه، وكانت الإسكندرية مجمعالحكماء، وبها كان معاريجهم مثل الدرج، يجلس عليها الحكماء على طبقاتهم فكان أوضعهم علماً الذي يعمل الكيمياء، فإن موضعه كان على الدرجة السفلى. ومن عجائبها المنارة أسفلها مربع من الصخر المنحوت، وفوق ذلك منارة مثمنة، وفوق المثمنة منارة لطيفة مدورة، طول الأولى تسعون ذراعاً، والمثمنة مثل ذلك، وطول اللطيفة المدورة ثلاثون ذراعاً، وعلى أعلى المنارة مرآة وعليهاموكل ينظر إليها كل لحظة، فإذا خرج العدو من بلاد الروم وركب البحر، يراه الناظر في المرآة ويخبر القوم بالعدو فيستعدون لدفعه. وكانت المرآة باقية إلى زمن الوليد بن عبد الملك بن مروان، فأنفذ ملك الروم شخصاً من خواصه ذا دهاء، فجاء إلى بعض الثغور وأظهر أنه هارب من ملك الروم ورغب في الإسلام، وأسلم على يد الوليد بن عبد الملك واستخرج له دفائن من أرض الشام. فلما صارت تلك الأموال إلى الوليد شرهت نفسه فقال له: يا أمير المؤمنين إن ههنا أموالاً ودفائن للملوك الماضية. فسأله الوليد عن مكانه فقال: تحت منارة الإسكندرية، فإن الإسكندر احتوى على أموال شداد بن عاد وملوك مصر والشام فتركها في آزاج وبنى عليها المنارة. فبعث الوليد معه قوماً لاستخراجها فهم نقضوا نصف المنارة وأزيلت المرآة، فضجت الناس من أهل الإسكندرية. فلما رأى العلج ذلك وعلم أن المرآة أبطلت هرب بالليل في مركبنحو الروم وتمت حيلته. والمنارة في زماننا حصن عال على نيق جبل مشرف على البحر في طرف جزيرة، بينها وبين البر نحو شوط فرس، ولا طريق إليها إلا في البحر المالح، وهي مربعة ولها درج واسعة يصعدها الفارس بفرسه. وقد سقفت الدرج بحجارة طوال مركبة على الحائطين المكتنفين للدرجة، فترتقي إلى طبقةعالية مشرفة على البحر بشرفات محيطة، وفي وسطه حصن آخر يرتقى إليه بدرجة أخرى فيصعد إلى طبقة أخرى لها شرفات، وفي وسطها قبة لطيفة كأنها موضع الديدبان. وحكي أن عبد العزيز بن مروان لما ولي مصر جمع مشايخها وقال: إني أريد أن أعيد بناء الإسكندرية إلى ما كانت. فقالوا: انظرنا حتى نتفكر.فقال: أعينوني بالرجال وأنا أعينكم بالمال. فذهبوا إلى ناووس وأخرجوا منه رأس آدمي وحملوه على عجلة ووزنوا سناً من أسنانه فوجودها عشرين رطلاً على ما بها من النخر والقدم، فقالوا: جئنا بمثل هؤلاء الرجال حتى نعيدها إلى ما كانت. فسكت. بها عين مشهورة بعين الإسكندرية، فيها نوع من الصدف يوجد في كل وقت لا يخلو منه في شيء من الأوقات، يطبخ وتشرب مرقته تبريء من الجذام. والله الموفق”. (آثار البلاد وأخبار العباد/ 143ـ147).

نقد الرواة والروايات السابقة

كما نوهنا اعتمد المؤرخون العرب ومن بعدهم الغربيون في دعوى حرق المسلمين مكتبة الاسكندرية على الرواة المذكورين في أدناه، وسوف نناقش وضع الكاتب ومدى صحة الرواية لكل منهم على حدة لتسنى لنا معرفة ميوله واتجاهاته، ونستشف من خلالها مدى مصداقيته، على أقل تقدير بما يتعلق بالكتاب الذي تضمن حادثة حرق مكتبة الإسكندرية.

ولأن المصدر الرئيس للحادثة ورد في رحلة، فلا بد من الإشارة إلى أنه في أدب الرحلات توجد مناهج معتمدة في العمل أهمها:

أ. منهج المشاهدة والرؤية العينية للرحالة فيما يتعلق بمشاهداته لأحداث ووقائع عاصرها في الأمصار التي زارها ولقاءاته مع الناس وتدوينها وفق التسلسل الزمني لزياراته المدن كرحلة ابن بطوطة، او حسب التوزيع الإقليمي او الجغرافي للأقاليم السبعة كالمسالك والممالك لابن خرداذبة، او وفقا لحروف الهجاء كمراصد الاطلاع لصفي الدين البغدادي، او حسب التضاريس الأرضية كمسالك الأبصار في ممالك الأمصار لشهاب الدين العمري.

ب: منهج الرواية والنقل عن الرحالة الذين سبقوه في رحلته الى نفس الأماكن، وهذا ما تجده من خلال تكرار الحوادث والأحاديث كما في كتاب الروض المعطار في خبر الأقطار لأبي عبد الله محمد الحميري الذي لم يقم بأية رحلة للأمصار التي تحدث عنها في كتابه وإنما نقلا عن غيره. وهناك من ينقل ويشير الى المصدر والسند، وهناك من ينقل الرواية دون الإشارة الى المصدر او السند. على سبيل المثال: قال الادريسي” جزيرة القمر (من اعمال الهند) وبينهما مجرى سبعة أيام وهي جزيرة طويلة وملكها يسكن منها مدينة ملاي ويقول أهل هذه الجزيرة إن طولها مارّا مع المشرق أربعة أشهر أولها في الدبيحات وآخرها يعارض جزائر الصين في جهة الجنوب وملكها لا يحجبه ولا يقوم بخدمته في طعامه وشرابه وجميع أوامره إلا المخنثون يلبسون الثياب النفيسة من الحرير الصيني والعراقي وفي يمين كل واحد منهم سوار ذهب واسم السوار عندهم بلغة الهند اللكنكو ويسمون هؤلاء المخنثين التنبابة وهم يتزوجون الرجال عوضا من النساء ويخدمون الملك بالنهار ويرجعون بالليل إلى أزواجهم”. ( نزهة المشتاق /71).وقال الحميري” ملاي: مدينة من جزيرة القمر من جزر الهند، وملكها لا يحجبه ولا يقوم بخدمته في طعامه وشرابه إلا المخنثونيلبسون الثياب النفيسة من الحرير الصيني والعراقي، وفي يمنى كل واحد منهم سوار ذهب، وهؤلاء المخنثون يتزوجون الرجال في عوض النساء، ويخدمون الملك بالنهار ويرجعون بالليل إلى أزواجهم”. ( الروض المعطار1/546).

ج. النقل عن الآخرين من الزوار والتجار واهل البلد من خلال سماع ما يذكروه من أحداث واحاديث قديمة او حديثة بالنسبة لزمانهم، قال العمري عن الهند قبل تأليف كتابه ” كنت أسمع الأخبار الطائحة والكتب المصنفة، ما يملأ العين والسمع، وكنت لاأقف على حقيقة أخبارها، لبعدها منا، وتنائي ديارها عنا”. ( مسالك الابصار 3/39). وعادة يتخذ الرحالة احد المواقف التالية التي تتجسد بوضوح في مشاهداته:ـ

اولا. الأخذ بالرواية كاملة، والثقة بمن تحدث بها سواء كان الرحالة على صلة وثيقة به او مجرد معرفة وقتية بالراوي دون ان يقارنها بغيرها من الروايات او يتحقق من صحتها من الناس.

ثانيا. رفض الرواية تماما بعد عرضها، لأنها تتنافى مع الواقع والمنطق والعقل السليم، كما ورد في تصويبات ابن حوقل لكثير من المشاهدات والأحداث في كتابه صورة الأرض.

ثالثا. التأكد من الخبر عن طريق التجربة الذاتية، وهذا ما فعله ابن حوقل والعمري بعد أن باشرا في تدوين مشاهداتهما، فقد ذكر العمري” فلما شرعت في تأليفي هذا الكتاب، تتبعت ثقاة الرواة، ووجدت أكثر مما كنت أسمع وأجل مما كنت أظن وعادة كنت أسأل الرجل عن بلاده، ثم أسأل الآخر والآخر لأقف على الحق، فما اتفقت عليه أقوالهم، وتقاربت فيه أثبته، وما اختلفت فيه أقوالهم أو اضطربت تركته، ثم أنزل الرجل المسؤول مدة أناسيه فيها عما قال، ثم أعيد عليه السؤال عن بعض ما كنت سألت، فإن ثبت على قوله الأول، أثبت مقاله، وإن تزلزل أذهبت في الريح أقواله، كل هذا لأتروى في الرواية، وأتوثق في التصحيح“. ( مسالك الابصار3/31). وهنا لابد من التأكيد مرة أخرى على ناسخ الكتاب ومدى نزاهته وكفاءته وأمانته في نقل الكتاب دون تحريف النصوص زيادة أو نقصانا أو نشويها وفقا لميوله الشخصية أو للحصول على امتيازات ما، على سبيل المثال كان ناسخ كتاب مسالك الابصار للعمري، شيعيا لذا فهو يضيف من عنده صفة “عليه السلام” عقب أي ذكر لأي من أئمة الشيعة حصرا دون غيرهم، وهذا لا يمكن أن يكون من المؤلف فهو عمري، وينتسب إلى الخليفة الراشد عمر بن الخطاب، ولا يُعقل ان لا يترضى عليهم عند ذكر اسمائهم.

تقي الدين المقريزي

يعتبر المقريزي شيخ المؤرخين المصريين وتتلمذ على يدية الكثير، وعُرف عنه التدقيق في الروايات التأريخية، والتحقق منها، والإشارة الى التفاصيل الدقيقة. لكن من المؤسف ان يقع المقريزي في الفخ الشعوبي بهذه السهولة، فقد نقل عن البغدادي الرواية بلا سند وتحقيق، رواها كما هي على علتها دون أن ينقدها كمؤرخ له ثقله ومكانته الكبيرة ويتبين مدى صحتها، سيما إنه مواطن مصري ويفترض أن يكون على دراية تامة بتأريخ أمته، لا يأخذ الأمور المهمة على عماها دون تحقيق وتحليل. وقد نقل عن المقريزي المؤرخ (لانجل) في كتابه فتوح الإسكندرية دون أن يشير الى حريق المكتبة. ويلاحظ ان المقريزي لم يعاصر الفتح الإسلامي لمصر وإنما نقل الأحداث عن غيره. جاء في كتابه (المواعظ والآثار) الآتي حول عمود السواري بالإسكندرية” وفيه خزانة كتب أحرقها عمرو بن العاص بإشارة من عمر بن الخطاب رضى الله عنه”. لاحظ أنها نفس العبارة بالضبط استقاها من البغدادي على علاتها، وبخلاف ما اتبعه في معظم رواياته التأريخية. وهذا أمر يدعو للأسف لأنه مصري وأعرف من غيره ـ أو يفترض به هكذا ـ بحوادث بلاده.

د. حاجي خليفة وهو عثماني موسوعي حجة في الفهرسة والتصنيف وأشهر كتبه (كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون) التي جمع فيها حوالي (18000) عنوانا للكتب، معظمها اطلع عليها بنفسه كما إدعى. والرجل يعد ثقة في الفهرسة ومعرفة الكتب، وليس كمؤرخ. وقد نقل رواية البغدادي دون سند، ويلاحظ ان عاش في زمن بعيد جدا عن الأحداث. لذا فأن روايته لا يؤخذ بها لأنه نقلها على عماها. الحقيقة ان كتابه رغم أهميته فيه الكثير من الأخطاء والتناقضات، لأنه يأخذ الرواية عن الناسخ والكثير من النساخ لا يلتزمون بضبط النسخ لأسباب عفوية أو مقصودة، لذا نجد اختلاف النسخ للكتاب الواحد، ويعتمد المحققون على عدة نسخ لضبط تحقيقهم. مثلا قال حاجي عند ذكر الإمتاع والمؤانسة” إن التوحيدي توفي سنة 380 وقال حين ذكر عنه في المقابسات” المتوفى بعد سنة أربعمائة تقريباً “، فأين الحقيقة ؟ وهناك أخطاء كثيرة في كتابه لسنا بصددها.

أحدث المقالات