2 أكتوبر، 2024 5:31 ص
Search
Close this search box.

ما وراء اغتيال حسن نصر الله

ما وراء اغتيال حسن نصر الله

السيناريو الحالي بعد اغتيال حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله، بات واضحا بالنسبة لأهداف حرب إسرائيل على لبنان، وقد أفشى بالسر بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي بانه يمر بأوقات رائعة وفي نفس الوقت أوقات صعبة لأنَّ إسرائيل تعيد تشكيل معادلات سياسية جديدة في الشرق الأوسط. أي أنَّ حرب إسرائيل على لبنان كما نوهنا في مقالنا السابق (سيناريو فاشي جديد في لبنان) وعشية اغتيال نصر الله بأنَّها لا علاقة لها بإعادة السكان الى بيوتهم ولا بفصل حزب الله عن حماس.

اغتيال حسن نصر الله هو امتداد للسياسة الإسرائيلية وحربها الوحشية في غزة ولبنان، وإنَّ عملية الاغتيال هي جزء من مرحلة دشنتها حكومة بنيامين نتنياهو، لإعادة الثقة لهيبتها واعتبار ومكانة إسرائيل في المنطقة، واذا ما عدنا قليلا للوراء،  فأن سياسة الاغتيالات التي تقوم بها إسرائيل بقدر ما تمثل جزء من العقيدة الاستراتيجية لردع أعداء الدولة العبرية منذ تأسيسها، فإنَّها بنفس القدر تُعدّ سياسة لتسجيل نقاط لإعلان (الانتصار) على (الأعداء)، ولهذا وجدنا أنَّ نتنياهو قد حدد أحد أهداف حربه في غزة بعد السابع من أكتوبر من العام الماضي ٢٠٢٣ هو قتل يحيى السنوار الرئيس الحالي للمكتب السياسي لحماس، باعتباره العقل المدبر للهجوم على غلاف غزة والذي اسر المئات من المدنيين والجنود، ومرغ هيبة إسرائيل العسكرية بالتراب أمام العالم. أي بعبارة أخرى، فإنَّ دولة إسرائيل كمؤسسة أمنية وسياسية وقضائية، تحاول تعويم صورة مظللة ومخادعة عن حقانيتها الزائفة بحصرها بأشخاص “شريرين” لا يريدون الأمن والسلام والخير لإسرائيل، وهذه هي السردية الإسرائيلية التي تحاول تسويقها للعالم.

اغتيال نصر الله، الذي سبقه وأعقبه سلسلة من الاغتيالات، لقيادات وكوادر حزب الله، هو جزء من تلك السردية وبغض النظر عن حالة الحرب بين إسرائيل وحزب الله، التي تؤيدها الإدارة الأمريكية التي وصفت “العالم بأنه سيكون أكثر أمان بقتل نصر الله“.  

لقد نجحت حكومة نتنياهو-غالانت عبر اغتيال نصر الله بتقوية صفوف الطبقة الحاكمة في إسرائيل من يمين ويسار ومعارضة، بعد أن وحدتها بإعلان حربها على لبنان، وبتوحيد قسم واسع من مواطني إسرائيل وجرهم خلفها بنسبة اكثر من ٦٠٪ من الإسرائيليين حسب استطلاعات الرأي، واستطاعت أيضا جر الإدارة الأمريكية ورائها، وانتزعت موافقة الأخيرة على جميع خطط إسرائيل في لبنان، بما فيها الهجوم البري في لبنان الذي وضعت الإدارة الأمريكية اسم حركي لها وهو التوغل المحدود، وفي هذا الميدان يجب الاعتراف أنَّ إسرائيل قد فتحت الطريق لتقويض النفوذ القومي الإيراني في المنطقة بعد ما يقارب من عام من عمليات القتل والإبادة الجماعية لسكان غزة وتدمير كل شيء فيه واليوم في لبنان، وحينها وعشية الهجوم البري لإسرائيل على غزة اطلق نتنياهو لأول مرة تصريحه الذي أعاده يوم امس بانه يعيد تشكيل شرق أوسط جديد، أي ما فشلت فيه الولايات المتحدة الأمريكية أثناء غزوها للعراق عام ٢٠٠٣ لتأسيس مشروعها الشرق الأوسط الجديد، تسعى إسرائيل الآن لتشكيله من جديد. وهذا هو السر خلف الإعلان الصريح لدعم إدارة بايدن غير المشروط لكل ما تقوم بها إسرائيل في لبنان بعد اشهر من الخداع والنفاق السياسي والتضليل عن امتعاض إدارة بايدن وعدم رضاها على سياسات نتنياهو.

إنَّ من لديه الحد الأدنى من البصيرة السياسية يدرك أنَّ اغتيال حسن نصر الله هو رسالة رعب لكل من يعترض على جرائم إسرائيل وأمريكا في المنطقة، ليس هناك ادنى شك أنَّ حسن نصر الله هو جزء من المحور الإيراني الذي يعترف بولائه المطلق لولاية الفقيه ومشروعها السياسي والعسكري والأمني في المنطقة، وإنَّ الأخيرة أي ايران متورطة بقتل المئات من المعارضين الشيوعيين واليساريين والعلمانيين في ايران وفي العراق وخاصة في انتفاضة أكتوبر ٢٠١٩، وانها تستثمر ميليشياتها في الدول الفاشلة، وأينما تواجد النفوذ الإيراني تواجد معه القتل والتهجير وقانون المليشيات والفساد والفقر والبطالة وكل اشكال التمييز الجنسي والطائفي والديني والقومي، إلا أنَّ من تفتحت أساريره واغتبط لاغتيال نصر الله بيد أشخاص صدرت أوامر إلقاء قبض عليهم من قبل المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية، فإنَّ اقل ما بمكن أنَّ يوصف به بأنَّه يرتكب حماقة كبيرة وأكثر ما يحصل عليه هو العيش بخبز يومه

إنَّ اللوحة التي يرسمها لنا نتنياهو لا تنحصر حدودها عند ذاك الحد، بل أنَّ إحدى عناوينها الرئيسية هو استفراد المنطقة بالبلطجة الإسرائيلية، وترحيل حل القضية الفلسطينية أو تشكيل دولة فلسطينية مستقلة الى اجل غير مسمى.  وهذا يعني من زاوية أخرى أنَّه لن يحل الأمن والسلام في المنطقة، ولن تقطع يد ايران ولا ميليشياتها، ولا يسدل الستار على سوق المزايدة السياسية حول القضية الفلسطينية التي يدخل كل يوم بذاك المزاد زبون جديد، طالما هناك ظلم سافر وجرائم يومية تحدث بحق الشعب الفلسطيني، ولا تطوى صفحة الإسلام السياسي الذي تمثل القضية الفلسطينية أحدى أهم الدعامات السياسية التي تتعكز عليها.

أحدث المقالات