تعود البعض على إطلاق أحكام مسبقة عن مستوى ما يقدم للجمهور من خدمات بمختلف المجالات وفي أحيان كثيرة تكون تلك الأحكام ظالمة او بغير موضعها الصحيح ، فبعض الصور الضبابية لا يجوز أعمامها على الكل ، فعند ولوج الجوانب الميدانية غالبا ما تظهر العديد من الحالات الايجابية بعكس ما هو مفترض بكثير خاصة عند الاطلاع على ما يجري فيها من تخطيط و تحديث وتطوير ، وهذه الكلمات هي التي ألزمتنا على نقل صور حقيقية وبدون أية رتوش عند التعرف على ما يجري من تفاصيل في المعهد الطبي التقني ( بغداد ) احد معاهد الجامعة التقنية الوسطى المرتبطة بوزارة التعليم ، فهذا المعهد يعد من المعاهد الطبية العريقة وتأسس عام 1969 ويشغل بناية لا تعود ملكيتها للمعهد وإنما لغيره من الجهات ، وموقع المعهد بالضبط في منطقة ( باب المعظم ) ويكفي ذكر هذه الكلمة ليدرك البغداديون ما تحويه من الفوضى ، سواء من حيث كثافة الأسواق والمحلات التجارية والتجاوزات والعشوائيات او من حيث كونها مركزا لانطلاق وعودة وتجمع الكثير من خطوط النقل الحكومي والخاص ، ومن يمر بتلك المنطقة ويشهد اللوحة التي تحمل عنوان ( المعهد الطبي التقني بغداد ) ربما يعتقد أن فوضى الموقع يمكن إن تنقل إليه كواقع حال ، فلسان البعض يقول هل من المعقول أن تكون هناك مؤسسة تعليمية بهذا المكان وما هو حال التدريس فيها بضوء كثافة حركة الموقع المحيط و قدم البناية التي شيدت منذ عقود .
ولا غريب أن تتغير تلك الافتراضات ما أن تطأ الأقدام بوابة المعهد وما يحويه حاله من واقع يخالف كل ما يمكن أن يطلق عليه من أحكام ، ففي يوم 16 أيلول الحالي أي في موعد بداية العام الدراسي 2014 / 2025 شهد المعهد مباشرة طلبة الصفوف الثانية في الدوام ، وفي هذا اليوم بالذات يلمس الطالب و الزائر إن كل شيء بلغ درجة الجاهزية المطلوبة للمباشرة بعام دراسي جديد ، من حيث انتهاء أعمال التوسيع والصيانة والتأثيث وتوفير الأجهزة وتواجد الملاكات التدريسية والتدريبية والساندة وفي مقدمتهم قيادة المعهد من العميد ومعاونيه ورؤساء الأقسام والفروع العلمية والمسئولين في كل التشكيلات ، ورغم صغر المساحة الكلية للمعهد إلا انه يضم 12 قسما وفرعين في التخصصات الطبية ، والطلبة الذين يتم قبولهم فيه هم خريجو الدراسة الإعدادية من الفروع العلمية ( الحد الأدنى لمعدل القبول في السنة الماضية لايقل عن 96% ) ومدة الدراسة فيه سنتين ، إذ يتخرج الطالب ليكون تقني مهيأ نظريا وعمليا للعمل في المؤسسات الصحية بكل الإشكال سواء في القطاع الحكومي او الخاص ، ويحوي المعهد على الدراستين الصباحية ( لكل الأقسام ) والمسائية ( لبعض الأقسام ) فضلا عن الدورات التدريبية للمنتسبين والغير ، وهناك نسبة كبيرة من الملاكات التقنية الوسطى العاملة في المؤسسات الصحية سابقا او حاليا هم من مخرجات هذا المعهد ، وغالبا يشار لهم بالبنان من حيث الأداء العالي والسلوك المهني ، فمناهج المعهد التي يجري تطويرها باستمرار تؤكد على كل الجوانب المطلوبة من خلال الدروس النظرية و التطبيق والتدريب العملي .
وقاعات وورش ومختبرات وأروقة وممرات المعهد لا توحي للزائر إنها من مواليد منتصف القرن الماضي ، فكأنها انشإت اليوم من حيث الحداثة و المتانة ودقة التصميم وتطويع الأبنية للمضمون والاستخدام ناهيك عن الجوانب الجمالية التي تسر الناظرين ، وقد استطاع المعهد خلال السنوات الأخيرة بإدخال العديد من الأجهزة بعضها استخدمت للمرة الأولى في تاريخ التعليم الطبي التقني المحلي بما يجعلها تواكب احدث التقنيات السائدة في العالم ، وتعمل عليها كوادر متمكنة من حيث التدريب والتأهيل ويتوزع استخدامها في عدة مجالات ( التدريس والتدريب ، البحث العلمي لإيجاد استخدامات وتطبيقات يمكن أن تضاف ، نقل تطبيقاتها للمناهج الدراسية ، إدخالها للتطبيق في المؤسسات الصحية التي تعد حقل العمل للمعهد ، إتاحتها لعموم المواطنين من خلال العيادة الاستشارية التي تقدم خدماتها لمن يشاء بعضها بالمجان والبعض الآخر بأجور معتدلة تغطي التكاليف وتحقق بعض الإيرادات لدعم لتمويل الذاتي ) ، والكلام عن تلك الأجهزة ومناشئها العالمية الرصينة والجهود المبذولة في الحصول عليها وتدريب الملاكات على استخداماتها يحتاج لصفحات عن التفاصيل فهي تستخدم للتشخيص والعلاج في مجال تخصص المعهد في كل الفروع والأقسام .
وعن كيفية التحديث والإضافة بهذه التقنيات سواء من المصادر المحلية او من مناشيء عالمية رصينة قال عميد المعهد الطبي التقني ( بغداد ) الأستاذ الدكتور لطيف عيسى علوان : إن كل ما ينجز في المعهد يتم من خلال اعتماد خطط قريبة وبعيدة المدى وتتم صياغتها وتنفيذها والإشراف على استخداماتها من خلال فرق العمل المشكلة من داخل المعهد والبيئة المحيطة ، فالجميع يعملون بروحية الفريق مع ترك هامشا واسعا للمبادرات والإبداع الفردي او الجمعي ، وان تكاليف هذه الأجهزة وأعمال الإضافة والتحديث يتم تمويلها من موازنة الجامعة التي هي جزء من الموازنة الاتحادية ، او من إيرادات التمويل الذاتي المتأتية من الخدمات التي تقدم للمجتمع ، او بالتنسيق والتعاون والإسناد من قبل المؤسسات والمنظمات الداعمة وبما يتطابق مع الضوابط والمعايير والتعليمات المعتمدة بهذا الخصوص ، أما عن كيفية انجاز كل موجود في المعهد رغم عدد وتنوع تشكيلاته وضيق البناية والكثافة النسبية بعدد الطلبة ، فقد أجاب السيد العميد إن كل ذلك يخضع لإعداد مسبق ودراسات الجدوى العلمية والبحث عن مصادر التمويل وتوظيف مبادرة العاملين من كافة المستويات والذين يسودهم الفخر إنهم يعملون في هكذا مؤسسة عريقة تنتج انجازات حقيقية في كل عام ، ويحظى المعهد بمتابعة ودعم الجامعة التقنية الوسطى وغالبا ما يكون السيد رئيس الجامعة الأستاذ الدكتور وضاح عامر حاتم التميمي حاضرا في المعهد ويجسد دور القائد والراعي لكل ما يثلج الصدور ومساندا في إيجاد الحلول للصعاب .
وليس الهدف هنا القول إن المعهد قد أدرك درجات الكمال وحقق كل ما يصبوا إليه ، ولكنه انتصر على واقعه وعوامل الضعف في مجال قدم البناية ومحدودية المساحة و الإمكانيات وتقادم الأجهزة و التقانات فصنع حالة متقدمة تبشر بخير ، وإن جدية العمل السائدة في المعهد وما فيه من أمل وايجابيات يمكن أن يلغي بعض الآراء المتشائمة التي لا تعكس حقيقة الأداء الفعلي في الكثير من مؤسساتنا العراقية والتي تضاهي بعضها بمستواها ومشروعاتها الحالية والمستقبلية ما موجود في دول المنطقة وربما دول العالم ، ونتمنى أن تتحقق طموحات وأهداف المعهد وطلبته والعاملين فيه وان تتحول ملكية الأرض للمعهد و تمكينه في تشييد بناية تليق بما يقدمه باستخدام الموقع الحالي وتحويله لمتعدد الطوابق ليكون صرحا معماريا أكثر سعة ولإدخال مزيدا من الاستخدامات ، تحية احترام وتقدير لكل الجهود التي تبذلها الجامعة والمعهد لتحقيق الريادة والدخول بمزيد من التصنيف الدولي للجامعات ، بعد نجاحهم في الدخول والتفوق في العديد منها عن كل جدارة واستحقاق ، وما موجود فعلا في هذا المعهد يعطي البرهان و الإثبات إن العراقيين ليسوا في حالة تراجع او سكون ، فهم بحالة تقدم بفضل قدراتهم التي تنتصر على ما يواجهونه من ظروف في مجال التمويل وسواها من الصعاب .